دخل المعارضون من بني إسرائيل من التوراتيين والقوميين والذين هادوا المصرون على التراث الديني ، في حوار عقائدي أخروي مع التنزيل ، بعد ان ادارك علمهم بالآخرة ، بلورته الآيات القرآنية فكريا وعقائديا ، طارحين عدد من الأسئلة الاستفهامية حول العذاب الدنيوي والبعث والنشور ، وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآبائنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا نحن وآبائنا من قبل ان هذا إلا أساطير الأولين ، إنكار واضح للبعث والنشور لعدم وقوعه دنيويا وهذا يستحيل من الناحية الزمنية والمكانية في التشابه ما بين الدنيا والآخرة ،الهدف من الإنكار عدم السماح للقاعدة الجماهيرية بالانخراط مع تيارات دينية أخرى خارج التراث الديني ، فالفكر الطائفي دائما يحابي رغبات وأهواء القاعدة الجماهيرية لأنها مصدر منافعه الاقتصادية والسلطوية ، ولتفيك القاعدة الجماهيرية عن التراث الديني ، لا بد من دليل جغرافي يعكس مصير أمم سابقة اتبعت أهوائها وأنكرت الآخرة ، قل يا محمد سيروا في الأرض ونظروا كيف كان عاقبة المجرمين ، كرد فعل على أعراض بني إسرائيل أصاب النبي الحزن ، ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ، طرح جديد فيه تحدي للعذاب الدنيوي بعد إنكار البعث والنشور ، ويقولون متى هذا الوعد ، وعد العذاب ، ان كنتم صادقين ، قل يا محمد عسى ان يكون ردف – ردف تأخير العذاب الى وقت أخر لاغتنام فرصة التغير ، ردف لكم بعض الذي تستعجلون ، وان ربك لذو فضل على الناس ، ولكن أكثرهم لا يشكرون ، وان ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ، وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ{67} لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{68} قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ{69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ{70} وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{71} قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ{72} وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ{73} وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ{74} وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{75}
أول كتاب منزل من عند الله ، كتاب موسى ، كتب في الصحراء بعد خروج بني إسرائيل من مصر يعود تاريخه الى 700 ق. م تقريبا ، كتب على ألواح من الطين انزل على موسى ، وامن به الذين هادوا ، ولم ينزل على القوميين الأسباط لأنهم انشقوا عنه قبل نزول الكتاب ، بما ان بني إسرائيل بشقيهما القومي والعقائدي لم يتمكنا من إقامة دولة دينية بسبب الاختلاف مع موسى ، اضطر الجميع على النزوح من الصحراء الى المدن ، فحمل الذين هادوا الألواح وهناك تم تدوين كتاب موسى على الورق ، عملية التدوين لم تتم في عهد موسى أنما في الفترة التي سبقته ، ومن هنا بدء الاختلاف لان معظم الذين عاصروا الخروج من مصر ماتوا ، فالتدوين قام على إسلافهم ، فأخذت كل طائفة بتدوين كتاب موسى حسب ميولها العقائدي والقومي، وفي القرن الأول الميلادي عندما أنزل كتاب التوراة على يحيى ابن زكريا أعيد فيه تدوين كتاب موسى الأول ، وفي نفس القرن عندما انزل الإنجيل على عيسى ابن مريم دوَّن فيه كتاب موسى أيضا ، وبعد التصديق والمصادقة بين كتابي التوراة والإنجيل ادمجا في كتاب واحد الإنجيل ، وفي القرن الثالث الميلادي وبسبب الاختلاف على آيات الإنجيل انشق الإنجيليون الى طوائف متعددة رافقه انفصال التوراة عن الإنجيل ، استمر الاختلاف والتناحر الطائفي على الكتب الى القرن السادس الميلادي ، وعندما انزل القران أعاد صياغة كتاب موسى والتوراة والإنجيل من جديد ، ان هذا القران يقص على بني إسرائيل أكثر الذي فيه يختلفون ، وانه لهدى ورحمة للمؤمنين ، بالرغم من اختلافهم إلا أنهم اختلفوا أيضا مع القران ، ان ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم ، فتوكل على الله انك على الحق المبين ، يا محمد انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم،ان تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{76} وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ{77} إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ{78} فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ{79} إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ{80} وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ{81}
دابة الأرض عند طوائف بني إسرائيل علامة من علامات أخر الزمان وقرب نهاية العالم ، حسب اعتقادهم تخرج دابة من الأرض تحشر الناس الى محشرهم ، فيصيبهم الخوف والفزع ، استغل التنزيل خرافة مخاوف دابة الأرض الى تهديد حقيقي للعذاب ، وإذا وقع القول عليهم ، العذاب الدنيوي ، أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، حوَّل التنزيل اعتقاد حشر الدابة للناس الى حشر أخروي حقيقي ، ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا وهم يوزعون ، وازع الخوف يدفع بالناس الى التجمع في مكان واحد ، حتى إذا جاؤوا، يوم القيامة ، قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون ، ووقع القول عليهم ، العذاب الأخروي ، وهم لا ينطقون ، الم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ان في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ، حوَّل التنزيل فزع دابة الأرض الدنيوي الى فزع أخروي ، ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات والأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين ، داخر ذلة وحيرة من أمرهم ، عرض التنزيل على بني إسرائيل احد مشاهد يوم القيامة المفزع ، وترى الجبل تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شنئ انه خبير بما تفعلون، لا خلاص من الفزع سواء ان كان دنيوي أم أخروي إلا بالإيمان بالله واليوم الأخر ، من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ أمنون ، ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ، أشير الى نقطه مهمة إلا وهي ان بني إسرائيل كانوا يشكلون نسبة كبيره من سكان مكة ، إنما أمرت ان اعبد رب هذه البلدة مكة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت ان أكون من المسلمين ، وان اتلوا القران على بني إسرائيل فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل ، فقل إنما أنا من المنذرين ، وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ
الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ{82}
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا
فَهُمْ يُوزَعُونَ{83} حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ
تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{84} وَوَقَعَ الْقَوْلُ
عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ{85} أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا
جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{86} وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ
دَاخِرِينَ{87} وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ
السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَفْعَلُونَ{88} مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ
يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ{89} وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي
النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{90} إِنَّمَا أُمِرْتُ
أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ{91} وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ
فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا
أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ{92} وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ
فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ{93
تعليقات
إرسال تعليق