من الاية 1 – 14 الأنفال
حصل خلاف كبير بين المؤمنين على أنفال معركة بدر - فمن المعروف عن المعارك كل مقاتل يغنم - دابة و سلاح وأمتعة قتيله – أما يتركه الجيش المنهزم في المعركة يخضع للتقسيم بين المقاتلين - فالخلاف كان على تقسيم الأنفال - أرادت جهة ما ان تسولي على الغنائم دون غيرها مدعية فضلها في إحراز النصر في المعركة – فنزول سورة الأنفال جاء للرد على الذين ادعوا ان النصر نصرهم -أولا -- وثانيا - حددت آلية تقسيم الأنفال -- فجاء المتخاصمون الى النبي يسألونه عن الأنفال –يسألونك عن الأنفال - الأنفال مفردها نفل وتعني الزيادة أو ما بقي من غنائم المعركة التي لم تخضع للتقسيم – قل الأنفال الله والرسول – هذا يعني ان الغنائم ستبقى تحت تصرف الرسول الى حين البث في هذا الأمر – فاتقوا الله – أي خافوا الله وتركوا الأطماع وأصلحوا ذات بينكم – وأطيعوا الله ورسوله في قرار التقسيم ان كنتم مؤمنين --
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{1}
ولكي يختبر الله إيمان وتقوى المتخاصمين على الغنائم ومدى قبولهم لحكم التقسيم -- قال الله - إنما المؤمنون إذا ذكر الله وجلت قلوبهم – أي ارتخت لحكمه وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون – من هم - الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون – أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{4}
ذكر الله المتخاصمون على الغنام المدعين ان النصر نصرهم بفترتين زمنيتين إحداها قبل المعركة والأخرى بعدها - ليكشف لهم مدى ارتباكهم وضعفهم وتخاذلهم قبل المعركة عندما سمعوا أمر ملاقاة المشركين - وكيف حول الله ذلك الضعف الى قوة بعدها – بأمر من الله تحرك النبي والذين معه باتجاه قافلة المشركين القادمة من اليمن محاذاة ساحل البحر الأحمر – كما اخرج ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون – بالحق تعني هو حق المؤمنين باسترجاع أموالهم التي سلبها المشركون بعد هجرتهم - بداية الخروج لم يكن هنالك نية لملاقاة المشركين في معركة بدر - إنما مجرد اعتراض القافلة القادمة من اليمن – فحدث جدال بين النبي والمؤمنين في الحق أي في هو حق استرجاع أموالهم التي سلبها المشركون - فوصل بهم الخوف الى درجة عدم قدرتهم على استرجاع ابسط حقوقهم - كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ{5} يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ{6}
فبعد خروج النبي من المدينة لاعتراض القافلة تحركت قوة من المشركين لإنقاذها - وهنا الأمر تغير بشكل مفاجئ فاخبر النبي المؤمنين الاستعداد لأمرين إما اعتراض القافلة وإما المواجهة العسكرية – وإذا يعدكم الله إحدى الطائفتين تكون لكم - إما القافلة وإما النصر - ولكن رغبة المؤمنين كانت باعتراض القافلة لتجنب أخطار المعركة -- وتودون غير ذات الشوكة أي الخالية من مظاهر القوة العسكرية ان تكون لكم -- لكن إرادة الله كانت لذات الشوكة لكسر هيبة المشركين لان الله وعدهم بخزي وعذاب دنيوي يقطع دابرهم - ويريد الله ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين – ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون --
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{7} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{8}
لم يتمكن النبي والذين معه من الوصول الى القافلة القادمة من اليمن محاذاة الساحل لان المشركين اعترضوهم عند أبار بدر ومنعوهم من الوصول إليها – فأصبح الجميع أمام الأمر الواقع – لم يستطع النبي والذين معه من العودة الى المدينة -- بينما استغلها المشركون فرصة للقضاء عليهم – بمعنى لا مفر من المواجهة العسكرية - فأصاب المؤمنين الهلع والخوف من مصير المواجهة -- وإذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين – مردفين متعاقبين تتابعا - وهنا دور الملائكة ليس قتاليا لإحراز النصر إنما هي تعبئة معنوية للجيش لتطمئن قلوبهم بان النصر قادم -- وما جعله الله إلا بشرى لكم لتطمئن قلوبكم وما النصر إلا من عند الله ان الله عزيز حكيم – إذن النصر هو من عند الله وليس من عند الملائكة كما يعتقد البعض
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ{9} وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{10}
بعد ان طمئن الله المؤمنين بمدد الملائكة وبشرى النصر استكانت نفوسهم وطمئنت وإذ يغشيكم النعاس أمنة منه – فطالهم قسطا من الراحة المكللة بالنوم بعد عناء السفر –لكنهم اشتكوا من نقص الماء – فانزل الله من السماء ماء ليطهركم به من أتربة وغبار السفر - ويذهب عنكم رجس الشيطان –أي أقوال الشيطان المثبطة التي هددت المؤمنين بالهلاك من العطش لقلة الماء - فانتهت تلك المخاوف بنزول الماء وبهذه الطريقة ثبت الله أقدم المؤمنين - وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام -- فقبل التقاء الجمعان - وإذ يوحي ربك الى الملائكة إني معكم أي الى جانبكم فثبتوا الذين امنوا في المعركة وسألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق أي منطقة الرأس - واضربوا منهم كل بنان أي الإطراف التي يعتمد عليها المقاتل أثناء حركته القتالية – كما قلنا دور الملائكة ليس قتاليا إنما لتعبئة المقاتلين بان هنالك من يقاتل الى جانبهم - فعندما سمع المؤمنين بان الملائكة سوف يضربون ما وفق الأعناق وكل بنان اتبعوا نفس الطريقة فهذه الاية علمت المقاتلين أسلوب القتال - كما بينت مناطق الضعف عند المشركين – أما دور حقيقي للملائكة في القتال لا صحة له ---- ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله – شاقوا جاءت من شقاء شقاوة أشقياء – نوع من أنواع الاستكبار العجرفة والتكبر على الله ورسوله ومن يشاق الله ورسوله فان الله شديد العقاب – ذلكم فذوقوه أي العذاب والخزي الدنيوي الذي وعد الله به المشركين -- وان للكافرين في الآخرة عذاب النار
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ
أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ
وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ
وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ{11} إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي
مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ
بَنَانٍ{12} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ
اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{13} ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ
وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ{14}
تعليقات
إرسال تعليق