من الاية 60 – 82 الكهف
لم تحقق دعوة موسى تاريخا دينيا بسبب تعنت بني إسرائيل فالقبليين الأسباط لم يصبروا على طعام واحد فانتقلوا من الصحراء الى المدن والأمصار – أما الذين هادوا فبقوا فيها مع موسى – فعندما طلب الله منهم قتال الجبارين لدخول الأرض المقدسة رفضوا ذلك - قائلين - اذهب أنت وربك فقاتلا أنا ها هنا قاعدون – فتشتت الذين هادوا أيضا من الصحراء الى المدن والقرى - فانتهت دعوة موسى بانقطاع كلام الله عنه وترك الجميع الصحراء ورحل -- فتحرك موسى وفتاه من الصحراء باتجاه مجمع البحرين محاذاة خليج السويس -- وإذ قال موسى لفتاه لا ابرح – أي لا أتوقف حتى ابلغ – حتى أصل - مجمع البحرين التقاء خليج السويس مع خليج العقبة -- وهنالك إما سأتوقف - وإما سأمضي حقبا – أو امضي حقبا - استمر دون توقف – فعند سيرهما محاذاة خليج السويس اصطادا حوتا فحمله الفتى -- فلما بلغا –أي وصلا مجمع البحرين - توقفا عنده الصخرة للاستراحة - نسيا حوتهما-– نسيا -- تعني غفلا عن مراقبة الحوت فقفز من اليابسة الى الماء - فاتخذ سبيله الى البحر سرب -- فلما جاوزا – أي ابتعدا عن صخرة باتجاه البحر الأحمر بمسافة ليس بعيدة – قال موسى لفتاه أتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا – نصبا تعيب - قال الفتى - أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما إنسانيه إلا الشيطان ان اذكره واتخذ سبيله الى البحر عجبا
سؤال يطرح نفسه لماذا طلب موسى من فتاه إحضار الغداء وهو يعلم ان الحوت اتخذ سبيله الى البحر سربا – من يقرا الحدث يعتقد فيه تناقض – بالحقيقة هو ليس تناقض إنما الآيات تحتوي على حدثين –الحدث الأول في الآيتين ( 60 – 61 ) هو إيضاح للنبي ليكتسب فكره أوليه عما حدث لموسى والعبد الصالح عند مجمع البحرين هذا أولا - وثانيا --ليحقق موقع جغرافيا مكانيا ليبعد الحدث عن أي مواقع جغرافي آخر يعتقد انه مجمع البحرين – أما الحدث الثاني في الآيتين ( 62 – 63 ) فالتنزيل نقل ما قاله موسى لفتاه بعد تجاوزهما الصخرة باتجاه البحر الأحمر - فموسى لم ينبه فتاه عندها بان الأسماك أو الحيتان تقفز فغفل الفتى عن الحوت فاتخذ طريقه الى البحر سربا – فنسيان الفتى للحوت غير مجرى الرحلة - فبعد تجاوزهما للصخرة باتجاه البحر الأحمر بمسافة ليس ببعيدة -- قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا -- تذكر الفتى ان الحوت اتخذ سبيله الى البحر عجبا – إذن موسى لا يعلم ان الحوت اتخذ سبيله الى البحر لان الفتى هو الأخر أيضا نسي ان يخبره بذلك --
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً{60} فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً{61} فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً{62} قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً{63
قال موسى لفتاه - ذلك ما كنا نبغي – إذن نسيان الحوت عند الصخرة كان علامة داله لما كان يسعى إليه موسى - فارتدا على أثارهما قصصا- فرجعا الى الصخرة يقصان أثرهما - فوجد عبدا من عبادنا أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما – قال له موسى هل اتبعك على ان تعلمن مما علمت رشدا – قال انك لن تستطيع معي صيرا – وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا – أي ليس عندك خبر عنه -- إذا العبد الصالح سوف يتخذ أجراءته على السفينة والغلام والجدار وفق معلومات هو يعلمها – ليس لموسى أي خبر عنها – قال له موسى - قال ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك أمرا – قال فان اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرى
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً{64} فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً{68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً{69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً{70}
فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا امرأ – قال الم اقل لك لن تستطع معي صبرا – قال لا تواخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا –فانطلقا حتى لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جاءت شيئا نكرا – قال الم اقل لك انك لن تستطع معي صبرا –قال ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا ان يضيفوهما فوجد فيها جدار يريد ان ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا – قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً{73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً{76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77} قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{78}
أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت ان أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا – مبادرة رائعة لإنقاذ المساكين مالكي السفينة من قراصنة الملوك - فالتخريب الذي أجراه العبد الصالح عليها كان تصرف شخصي وليس بأمر من الله وفق معلومات وأخبار هو يعرفها - فقال --فأردت ان أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا – وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغينا وكفرا – فأردنا ان يبدلها ربهما خيرا منه زكاة واقرب رحما – أمر قتل الغلام لم يكن تصرفا شخصيا إنما كان بإجماع - فقال - فخشينا ان يرهقهما طغينا وكفرا – فأردنا ان يبدلها ربهما خيرا منه – وهنا مشكلة الإجماع – لقد أدى تحريف رواية قتل الغلام عن مغزاها الحقيقي الى تشكيل المحافل الدينية السرية ذات الأهداف القومية والعقائدية كالفاتيكان والمحافل الماسونية والدولة العميقة وحراس المعبد والهيكل -- فجميع قرارات تلك المحافل تضر بمصلحة الطوائف والديانات الأخرى – فمن أهم مفاهيمها الدينية الضرورات تقي المحذورات -- فلا يمكن قتل غلام لمصلحة أبوية لأن القتل من المحذورات – لكن يمكن قتله إذا اقتضت الضرورات – فبعض الديانات هي من ترسم أهدافها الدينية والعقائدية في كتبها المقدسة من خلال نصوص تحل الجرائم وتفتعلها ثم تنسبها الى الله - فالقتل والتهجير والحصار والتجويع والحروب وحرق المدن وإتلاف المحاصيل ونهب الثروات من النصوص التي اقرها الكتاب المقدس فالحكومات الغربية تفتعل الفتن والأزمات ثم تنسبها الى الله كحقائق واقعية لها رد فعل سياسي لطوائفهم وشعوبهم على إنها من علامات الرب الانتقامية في أعدائهم – وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك ان يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك -- نجد في قضية بناء الجدار لم يكن تصرفا شخصيا ولا بالإجماع إنما كانت إرادة الله رحمة منه باليتيمين –فقال - فأراد ربك ان يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ
غَصْباً{79} وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن
يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً{80} فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا
خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً{81} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ
لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا
وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{82}
تعليقات
إرسال تعليق