من الاية 78 – 96 الإسراء
رفض الله تجاوب النبي مع بعض مقترحات المشركين التي تتعارض مع التنزيل مهددا إياه - قائلا - وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً – وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً- إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً- مؤكدا له ان هلاكهم بات وشيكا معبرا عن ذلك - بقوله - سنة من قد أرسلنا من قبل فلن تجد لسنتنا تحويلا – ان من الأسباب التي دفعت النبي الى التجاوب مع بعض مقترحات المشركين هي – الرغبة باستقطاب اكبر عدد منهم الى دين الحق - هذا من جهة - ومن جهة أخرى للحصول على مقاما محمودا عند الله -- ولكي يحقق الله له تلك الرغبة أمره بإتباع بعض الطقوس الدينية التي سترفع مكانته عند الله بدلا من الإلحاح عليهم لكسب رضاه – قائلا - أقم الصلاة - الأمر موجه الى النبي فقط – وأمر الصلاة هنا لا علاقة له لا بالأوقات ولا بالصلوات الخمسة --فالصلاة هنا ليس كالصلاة التي نؤديها في المسجد بهيئتها وأركانها إنما هي صلاة تعبديه كالدعاء والاستكانة والتضرع فقط - حدد الله للنبي أوقات الصلاة – قائلا - أقم الصلاة لدلوك الشمس –الوقت الأول نهارا -- يبدءا من الفجر لدلوك الشمس أي الى ارتفاع الشمس عن مشرقها - الى غسق الليل – الى بداية الظلام– والوقت الثاني ليلا – والليل مقسم الى وقتين – الأول الفجر -- وقران الفجر ان قران الفجر كان مشهودا - والثاني ما بعد ظلام الليل -- ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا – فمن الأدعية التي سيتقرب بها النبي الى ربه -- وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا – وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهقا – وننزل من القران ما هو شفاء – الشفاء ليس من المرض إنما ما يشفي القلب بالإيمان - وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين – والرحمة نوعان - الرحمة الدنيوية التي ترفع إثقال الوثنية عن المؤمن كالطقوس المجحفة -- والرحمة الأخروية التي ترفع العذاب عن المؤمن يوم القيامة - ولا يزيد الظالمين إلا خسارة – خسارة الدنيا والآخرة
أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً{78} وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً{79} وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً{80} وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً{81} وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً{82}
وإذا أنعمنا على الإنسان – أي إذا مر في حاله من الرفاهية الاقتصادية والمعيشية - اعرض ونأى بجانبه – استكبر مفتخرا بنفسه - وإذا مسه الشر كان يؤوسا – الشر- القحط ونقص الأموال كان يؤوسا – فمثلما يتقلب الإنسان مع الأوضاع المعيشية عليه ان يتعامل مع الدين بحسب قناعته – قال الله - قل كل يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو أهدى سبيلا - - يسألونك عن الروح – الروح ليس روح الإنسان التي هي مصدر شعوره وتعامله بالحياة - إنما الروح –هو روح القدس أو الروح الامين - فالروح في عقيد مشركي أهل مكة هو الوسيط الروحي بين أوثان الأرض وملائكة السماء بنات الله – فكانوا يعتقدون ان الروح هو من يدبر أمور حياتهم وتجارتهم ويبعد عنهم فواجع الأقدر ويرفع الى السماء كل ما يقدمونه لأوثانهم من أطعمه ونذور - لذا سأل المشركين النبي عن الروح - قل يا محمد الروح من أمر ربي – أي لا يتحرك ولا يتكلم ولا يتنقل ولا يفعل أي شيء إلا بأمر ربي – بمعنى كل ما كنتم تعتقدون به لا صحة له - وما أوتيتم من العلم-- وما تعلمون من أخبار الروح -- إلا قليل – بما ان الوحي هو كلام الله الذي ينقله الروح الى النبي—هدد الله نبيه -- قائلا -- ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك – بمعنى نقطع الروح عنك فينقع الوحي - ثم لا تجد لك به علينا وكيلا – لا تبقى لك وكالة عندنا في القران – إلا رحمة من ربك – إلا إذا استثنى الله ذلك الأمر - ان فضله كان عليك كبيرا – تعرض النبي الى فتنة من قبل المشركين لما ألفوا بعض الأقاويل المشابه لسجع القران مدعين انه قران جديد كالقران المنزل – رد الله عليهم - قل يا محمد للمشركين لئن اجتمعت الإنس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً{83} قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً{84} وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً{85} وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً{86} إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً{87} قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً{88}
ولقد صرفنا – صرفنا اي بسطنا مفاهيم الآيات بالأمثلة – ولقد صرفنا للناس في هذا القران من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا– أبى - اي اعرض أكثر الناس عن القران مصرين على الكفر – من ابرز مظاهر الكفر عند المشركين هي تحديهم لله ورسوله-- فقالوا -- وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا – أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا – أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا - أو يكون لك بيت من زخرف – الزخرف -هي البيوت الفارهه التي تزين بأغلى أنوع الأحجار - أو ترقى الى السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه -- قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا – بين الله للنبي –ان سبب إصرار المشركين على الكفر هي بشرية الرسول – قال الله - وما منع الناس ان يؤمنوا إذا جاءهم الهدى إلا ان قالوا ابعث الله رجل رسولا – بين الله للمشركين العلة من إرسال رسول من جنس البشر-- قائلا -- قل يا محمد للمشركين لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا – قل يا محمد للمشركين كفى بالله شهيدا بيني وبينكم - على رسالتي - انه كان بعباده خبيرا بصيرا
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي
هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ
كُفُوراً{89} وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ
يَنبُوعاً{90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ
الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً{91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ
عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً{92} أَوْ
يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ
لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ
رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً{93} وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن
يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً
رَّسُولاً{94} قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ
لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً{95} قُلْ كَفَى
بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً
بَصِيراً{96}
تعليقات
إرسال تعليق