من الاية 75 – 93 يونس
وعلى خلائف الذين نجاهم الله من قوم نوح بعث الله رسولا - ثم بعثنا من بعده رسلا أي من بعد نوح –فاجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل – فالذين كذبوا الرسل بعد نوح هم من نسل الذين امنوا برسالته - فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل - كذلك نطبع على قلوب المعتدين-- ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ{74}
ثم بعثنا من بعدهم أي بعد الرسل نوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب - موسى وهارون الى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين – اتهم فرعون وملئه آيات الله العصا واليد البيضاء بالسحر -- فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا ان هذا لسحر مبين – رد موسى على تلك الاتهامات - قائلا – أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{75} فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ{76} قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ{77}
قال الملأ من قوم فرعون – بمعنى قول جماعي سلطوي بإجماع صادر من إفراد أركان الدولة الفرعونية من سياسيين ورأسماليين وكهنة وأصحاب المصالح المنتفعون منها – قالوا أجئتنا يا موسى لتلفتنا عما وجدنا عليه إباءنا فالمصالح السياسية والسلطوية تكمن في تراث إبائهم الديني فأي تغير فكري في تراث القاعدة الجماهيرية يعني فقدان الكبرياء - فالكبرياء هي مكانة الفرد المرموقة في الدولة المتسلطة على رقاب الشعوب – فأكابر الدولة الفرعونية لم ينظروا الى دعوة موسى من جانب عقائدي إنما نظروا إليها من جانب سياسي لذا كان ردهم على موسى وهارون - وتكون لكم الكبرياء في الأرض وما نحن لكم بمؤمنين –
قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ{78}
من الآيات التي جاء بها موسى الى فرعون وملئه العصا واليد البيضاء اعتقد فرعون ان هذا من السحر –فالعاب السحر كانت متداولة في مجتمع فرعون في الأعياد والمناسبات والاحتفالات – فقال فرعون أتوني بكل ساحر عليم – حضر موسى والسحرة أمام فرعون حسب ما اتفق عليه الطرفان في يوم الزينة – وعند اللقاء قال موسى للسحرة القوا ما انتم ملقون – فلما القوا - قال موسى - ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ان الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون – فهذه العبارة هي من دفعت بالسحرة الى الإيمان برب موسى بعد ان عرفوا ان العصا واليد البيضاء آيات حقيقية من الله
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ{79} فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ{80} فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ{81} وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{82}
بني إسرائيل وموسى وهارون هم من ذرية ممن حملنا مع نوح - فما امن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم – ملئهم أي الإفراد الموالين لفرعون من ذرية موسى - ان يفتنهم – يفتنهم - أي يصبحوا فتنة لفرعون – والسبب - لان فرعون لعال في الأرض وانه لمن المسرفين – أي مسرف بالقمع والاضطهاد والقتل -- كرد فعل موسى على إسراف فرعون وجه قومه بعدد من التوجهات لأخذ الحيطة والحذر من الوقوع في فتنة فرعون - قال موسى - يا قوم ان كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين – مسلمين أي سلمتم أمركم لله وحده – ولكي يبعد موسى قومه عن فتنة فرعون عليهم الالتزام بتوجهات الله في كل الأمور وعدم التصرف دون استشارة الله وعلى هذا الأساس اتفقوا -- فقالوا - على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ{83} وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ{84} فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{85} وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{86}
في بداية الدعوة كان موسى يطلب من فرعون إخراج بني إسرائيل معه من مصر- لكنه يرفض في كل مرة حتى أصبحت عملية أخرجهم مستحيلة - ولكي يبعد الله المؤمنين من قوم موسى عن فتنة فرعون أمر الله موسى وأخيه هارون باتخاذ التدابير التالية - وواحتينا الى موسى وأخيه هارون ان تبوءا أي تحدوا وتختاروا لقومكما بمصر بيوتا – أي تختاروا بيوتا غير البيوت التي تسكنون فيها وتغير المنطقة من وجه بحري الى وجه قبلي - وجعلوا بيوتكم قبلة – أبعاد آلية التغير الديموغرافي ستجعل فرعون لا يفكر بهرب بني إسرائيل - أولا – وثانيا - ليتخلصوا من جواسيس قوم موسى الموالين لفرعون - لان الله قال - فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ – ملئهم – أي من بعض أفراد من قوم موسى الموالين لفرعون - فبعد إجراء تلك التدابير - وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{87}
دعا موسى ربه قائلا - ربنا انك أتيت فرعون وملاه زينة – هي زينة الحياة الدنيا كالملابس والمجوهرات والنساء وأموالا في الحياة الدنيا ليضلوا عن سبيلك – ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم – استجاب الله دعوة موسى وأخاه هارون - قائلا - قد أجيبت دعوتكما – ولكي تتحقق دعوتكما يجب اتخاذ التوصيات التالية منها الاستقامة - فاستقيما حسب ما وصيتما به -- والالتزام بالصبر وعدم إتباع سبيل الذين لا يعلمون – لا يعلمون من المؤمنين منكم في حالة اتخاذهم قرارات مخالفه لوصايا الله
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ{88} قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ{89}
بقي المؤمنون من قوم موسى في بيوتهم دون أي مخالفة تذكر – حتى أمر الله بالخروج من مصر باتجاه البحر ومنه الى الصحراء فلحق بهم فرعون وجنوده بغيا - بغيا اعتدا وعدوا – عدوانا - حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت انه لا اله إلا الذي أمنت به بنو إسرائيل وانأ من المسلمين -لا ينفعك إيمانك لم تكن أمنت من قبل - الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك أية - لمن خلفك أية - للذين بقوا في مصر فأصبح فرعون أية من آيات الله لمن خلفه من الناس - وان كثير من الناس عن آياتنا لغافلون – أي لا يبالون بالتحذيرات المسبقة بسبب غفلتهم عن آيات الله – فغفلتهم جعلتهم لم يتوقعوا هلاك فرعون بهذه السرعة
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ{90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ{92}
ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق حسب ما عد الله به موسى وهارون والمؤمنين من بني إسرائيل ورزقناهم من الطيبات - فما احتفلوا بين مؤمن وكافر حتى جاءهم العلم – علم وحدانية الخالق - ان ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا يختلفون
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{93}
تعليقات
إرسال تعليق