من الاية 25 – 49 هود
بعد التهديدات الدنيوية والأخروية التي هدد الله بها المشركين- إلا أنهم لم يعيروا لها اهتماما – متحدين الله بالعذاب- مما انعكس ذلك سلبا على معنويات النبي في الاستمرار بالدعوة - فالنبي كان يعاني في قومه بسبب إعراضهم عن دعوة الحق – قال الله - فلعلك تارك بعض ما أوحي إليك وضائق به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز أو جاء معه ملك من الملائكة – يا محمد أنت نذير – والله على كل شيء وكيل – يا محمد لم نوكلك على إيمانهم أنت مجرد نذير وبشير -- فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
ذكر الله قصة نوح لاطلاع النبي على ألمعناه التي واجهها في قومه - فما تمر به يا محمد من معاناة قد عانها أنبياء من قبلك - فأول رسول أرسله الله للبشرية هو نوح - ولقد أرسلنا نوحا الى قومه إني لكم نذير مبين – فأنت يا محمد أيضا نذير مبين - سمي رسول لأنه يحمل رسائل شفهية من الله الى قومه ومنها - إلا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم – عذاب دنيوي وعذاب أخروي كلاهما يأتي في يوم واحد – رد الذين كفروا من قوم نوح على تهديدات العذاب العظيم - قائلين - ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا اي اقل شانا منا الطبقة الفقيرة أو المسحوقة - - بادي الري – بادئ الري الذين ابدوا رأيهم بالموافقة على ما جاء به نوح دون استشارة زعمائهم وأسيادهم – وما نرى لكم علينا من فضل – بمعنى انتم ليس أفضل منا ماديا ولا سلطويا - بل نظنكم كاذبين
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ{25} أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ{26} فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ{27}
قال نوح لقومه ارايتم ان كنت على بينة من ربي واتاني رحمة منه فعميت عليكم أي أصابكم العمى انلزمكموها أي اريد ان الزمكم تلك الرحمة التي أعطاني إياها الرب - وانتم لها كارهون – يا قوم لا أسلكم عليه مالا – لا اريد منكم مالا - ان اجري إلا على الله –فمن الشروط التي وضعتها طبقة الأغنياء والأسياد على نوح مقابل الإيمان بما جاء به - هو طرد الطبقة الفقيرة التي أمنت به والتي أطلقوا عليها أراذلنا بادئ الري – رد نوح عليهم وما أنا بطارد الذين امنوا أنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوم تجهلون
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ{28} وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ{29}
بين نوح للمعارضين من قومه ان من أسباب رفضه طرد المؤمنين هو الخوف من الله – قائلا- من ينصرني من الله ان طردتهم أفلا تذكرون – قال نوح للمعارضين من قومه - لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول أني ملك من الملائكة - ولا أقول للذين تزدري أعينكم – أي الذين تحتقرهم أعينكم- الفقراء والأراذل بادئي الري - لن يؤتهم الله خيرا – بل سيأتيهم الله خيرا - الله اعلم بما في أنفسهم إني إذن لمن الظالمين – من الظالمين ان قلت لن يأتي الله المؤمنين خيرا
وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ{30} وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ{31}
بعد ان رفض نوح مطالب الأغنياء والأسياد بطرد المؤمنين من قومه – كاشفا لهم بشريته الخالية من علم الغيب وخزائن الله – قالوا - يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين – قال نوح إنما يأتكم به الله – أي يأتي بعذابكم الله - ان شاء وما انتم بمعجزين –لا تعجزون على الله – فعند وقوع العذاب لا ينفعكم نصحي ان أردت ان انصح لكم - ان كان يريد الله ان يغويكم عن طريق الحق هو ربكم واليه ترجعون
قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{32} قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ{33} وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{34}
أم يقولون افتراه أي الرسالة التي جاء بها نوح من ربه مفترة – قل لهم نوح ان افتريته فعلي إجرامي وانأ برئ مما تجرمون – أنهى الله الجدال مع قوم نوح وأوحى إليه بان الأمر قد انتهى - ولن يؤمن بك أحدا من قومك - إلا من قد امن من قبل فلا تبتئس بما كانوا يفعلون
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ{35} وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ{36}
أنهى الله الجدال مع قوم نوح كما أمره بالكف عن دعوة قومه - والتفرغ لما هو أهم له وللمؤمنين ممن معه - قال الله - واصنع الفلك بأعيننا اي بإشرافنا - ووحينا حسب تعليماتنا التي سنرشدك في كيفية بناء الفلك – فيما هو يصنع الفلك كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه - قال نوح - ان تسخروا منا - فانا نسخر منكم كما تسخرون – فسوف تعلمون في المستقبل من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ{37} وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ{38} فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ{39}
استمر نوح ببناء الفلك حتى انتهى منه - وما عليه إلا ان انتظار ساعة الصفر كما نقول ولقد احكم الله ذلك بزمن– حتى إذا جاء آمرنا – أمر القضاء على الكافرين - وفار التنور – تعبير مجازي عن بداء ارتفاع مناسيب المياه عن مستواها الطبيعي حينئذ احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك إلا من سبق عليهم القول وهنا منع أي شخص ركوب الفلك غير المؤمنين - وما امن معه إلا القليل
حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ{40}
ولما علم نوح ان أمر الله قد أتي - قال للذين امنوا معه اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها – بمعنى ان الفلك ستخرج عن السيطرة والتوجيه يسيرها ويرسيها الله - ان ربي لغفور رحيم – عندما بدأت مناسيب المياه بالارتفاع اخذ البعض من قومه الذين كفروا بالفرار الى المناطق المرتفعة طالبين النجاة ومنهم ابنه فكالما ارتقت مناسيب المياه هربوا الى أمكان أكثر ارتفاعا حتى شكل الماء أمواج كالجبال – وهي تجري بهم في موج كالجبال - ونادى نوح ابنه وكان في معزل منفرد عن قومه –قال نوح - يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين –قال ساوي الى جبل كثر الجبال ارتفاعا يعصمني من الماء – رد عليه نوح لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم أي إلا من وقعت عليه رحمة الله - وهم الذين ركبوا في الفلك - وحال بينهم الموج فكان من المغرقين
وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{41} وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ{42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ{43}
فالغرق طال جميع الذين كفروا من قوم نوح وكان أخرهم ابنه الذي اخذ بعض التدابير منها الصعود الى احد الجبال العالية -- أنهى الله حالة الغرق بسرعة فائقة من خلال تصريف المياه - وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي عن الماء - وغيض الماء - أي انهي الله غيض الماء بانخفاض مناسيبه - وقضي الأمر - أمر هلاك الكافرين من قوم نوح - واستوت على الجودي – بعض المفسرين يقولون ان السفينة استوت على جبل الجودي – الله لم يذكر السفينة المؤنث إنما ذكر الفلك المذكر- فاستوت يقصد بها الأرض هي التي استوت على الجودي – والجودي هو ما تجود به الأرض بعد تصريف المياه الزائدة من خلال تضاريسها ليبقى عليها فقط ما تستوعبه الأودية والبقع والمستويات المنخفضة فمن يراها كأن الأرض لم تمر في حالة غرق إنما حلة أمطار طبيعية – وقيل بعدا للقوم الظالمين
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{44}
لازال نوح يتأمل نجاة ابنه من الغرق - ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي أي من أهل الإيمان وان وعدك بهلاك الظالمين حق وأنت احكم الحاكمين –قال الله لنوح انه ليس من اهلك أي ليس من اهلك المؤمنين انه عمل غير صالح – دفاعك عن ابنك عمل غير صالح لأنك أبديت رأيك فما ليس لك به علم – فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك ان تكون من الجاهلين –قال نوح رب إني أعوذ بك ان أسالك ما ليس لي به علم والا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ{45} قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ{46} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ{47}
قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك – وأمم من ذريتكم يكونون شعوبا - سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم – تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل - فاصبر يا محمد على تكذيبهم لك - كما صبر نوح من قبل - ان العاقبة للمتقين
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ
مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ
سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ{48} تِلْكَ مِنْ
أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ
مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ{49}
تعليقات
إرسال تعليق