من الاية 13 – 24 يونس
الكلام موجه الى المشركين العرب لاطلاعهم على مصير المكذبين من قبلهم لما كفروا بآيات الله ورسله --ولقد أهلكنا القرون من قبلكم – مفردها قرن – المقصود بها الأمم السابقة التي مر على هلاكها قرون من الزمن كقوم نوح وعاد وثمود ومدين – لما ظلموا أنفسهم بتكذيب ما جاءت به رسلهم بالبينات والأدلة القاطعة على كفرهم بالله وافترائهم عليه - وما كانوا ليؤمنوا – لم يؤمنوا بما قدمته رسلهم من نذر -- كذلك نجزي المجرمين - بأنواع مختلفة من العذاب والخز الدنيوي
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ{13}
الكلام موجه الى المشركين العرب – ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم – بمعنى انتم أيها المشركون أخلفتهم الأرض بعد ان أهلكنا القرون الأولى - سنضعكم تحت الاختبار - لننظر كيف تعملون
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ{14}
أثمر الاختبار الدعوي للمشركين عن بروز فريق معارض للدعوة القرآنية رافضا الإيمان بالله واليوم الأخر ومنكرا للقاء الله – الفريق المعارض --وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقران غير هذا أو بدله – تأتي الإجابة من الله -- قل لهم يا محمد – ما يكن لي ان أبدله من تلقاء نفسي – بمعنى ان القران ليس من عندي – فإنا مكلف بإتباع ما يوحى الي -- ان اتبع إلا ما يوحى الي – وحالي ليس بأفضل من حالكم - لأني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم --
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{15}
قل يا محمد للرافضين للدعوة القرآنية – لو شاء الله ما تلوته عليكم – لكن هي اشاءة الله لأتلوه عليكم - ولا أدراكم به – ولم أحرك مدارككم صوب ما يتلى – ولكي يثبت الله للرافضين ان محمد لا يمتلك المقدرة العقلية على صياغة مفاهيم القران – ذًّكر الله المشركين بالفترة الزمنية التي سبقت نزول الوحي على لسان النبي --قائلا -- فقد لبثت فيكم عمرا من قبله – أي قبل الوحي - أفلا تعقلون – بعد ان اثبت الله للمشركين الرافضين للقران ان والوحي من عند الله - وان محمد ليس لديه المقدرة على تبديله أو الإتيان بغيره – فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا – مدعيا ان الملائكة بنات الله - أو كذب بآياته انه لا يفلح المجرمون -
قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{16} فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ{17}
الأوثان تمثيل روحي على الأرض للملائكة بنات الله - وعقائديا هن بنات الله في السماء - فالأوثان هي روح الله على الأرض التي تتصل ببناته في السماء ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم - أي غير قادر على إيقاع الضرر بهم -- ولا ينفعهم- وغير قادر على تقديم المنافع لهم – ويقولون هؤلاء شفعانا عند الله – بمعنى ان الملائكة بنات الله يشفعن للمشركين عند الله في حالة تعرضهم لأي كوارث طبيعية أو أزمات اقتصادية لقربهن الى الله – قل لهم يا محمد - أتنبئون الله أي تخبرون الله عن طريق الأوثان وعن طريق بناته - وهن لا يعلمن شيئا لا في السموات ولا في الأرض – قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون – يشركون الله في إلوهيته --
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{18}
قبل بعثة أي نبي في قوم - كان الناس امة واحده أي متفقون عقائديا على دين واحده - والسبب لانعدام الآيات العقائدية أو النصوص الكتابية التي تحرك الفكر الى ما هو أفضل من تلك العبادة -- وما كان الناس إلا امة واحدة – ولكن بعد بعثة الأنبياء يحصل انشقاق في تلك الديانة بين مؤيد ومعارض لدعوات الرسل – فاختلفوا – لولا كلمة سبقت من ربك – بان الله لا يعذب قوما على جهلهم لكن يؤخر لهم العذاب الى وقت قريب - لقضي بينهم - ليفصل بين المؤيدين والمعارضين - فيما فيه يختلفون --
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{19}
ويقولون – هو قول بالإجماع بعد مشاورات في مجالس الكفر ليخرجوا بقول موحد – ويقولون – أي المعارضين للدعوة القرآنية -- لولا انزل عليه آية من ربه – بمعنى دليل مادي ملموس على العذاب الدنيوي – فقل يا محمد -- الغيب لله – بمعنى العذاب من غيب الله وحده – فانتظروا العذاب إني معكم من المنتظرين
وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{20}
يضرب الله لنا مثلا عن حال الذين استعجلوا النبي بالعذاب إذا ما وقع عليهم فعلا -- وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم – ضراء- وهي حالة غالبا ما تمر بها الشعوب بسبب الأزمات الاقتصادية والكوارث والحروب والآفات الزراعية التي تؤثر تأثيرا مباشرا على الاستقرار والأمن الغذائي للإنسان – مما يرافق الضراء دعاء وتضرع الى الله -- وفي فترة الرحمة أي الرخاء والرفاهية الاقتصادية والأمن والاستقرار- إذا لهم مكر في آياتنا – فعلى الشعوب التي استغاثت الله في الضراء ان تبقى متمسكة بما أقرت به اتجاه خالقها – فذلك المكر السريع الذي تمارسه الشعوب مع الله – قل لهم يا محمد - الله أسرع مكرا ان رسولنا يكتبون ما يمكرون – فلا تعتقدون ان الله ينسى مكركم لان لديه رسل يكتبون ما تمكرون
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ{21}
يضرب الله لنا مثلا عن التقلبات العقائدية التي يتقلب فيها الإنسان بين الضراء والرحمة – قائلا- هو الذي يسيركم في البر والبحر عن طريق وسائل النقل المختلفة – فمن وسائل النقل المقلقة للمسافر الفلك - حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ريح طيبة هادئة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم – بمعنى شكوا على الهلاك - دعوا الله مخلصين له الدين - فنسوا الإلهة والأوثان التي يعبدونها متضرعين الى الله لئن أنجانا من هذه المهلكة لنكونن من الشاكرين – فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق – يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم – فالبغي على الله سببه مغريات الحياة الدنيا التي أنستهم ما تضرعوا به من قبل -- ثم ألينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ{22} فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{23}
يضرب الله لنا مثلا عن مغريات متاع الحياة الدنيا -- قائلا – إنما مثل الحياة الدنيا -- وسمية الدنيا - لأنها أدنى مرتبة من حياة الخلود في الآخرة -- كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس من المحاصيل والثمار- ولإنعام من النبات الطبيعي والنبات الزراعي – حتى إذا أخذت الأرض زخرفها بمعنى أصبحت الأرض جاذبة للسكان لكونها توفر الأمن الغذائي للإنسان والحيوان - مما يرافق ذلك نموا سكانيا ينعكس على التقدم العمراني فتشيد الأبنية والأسواق والقصور المزينة بمختلف أنواع الفنون والزخرفة والنقوش والألوان- وظن أهلها أنهم قادرون عليها – أي على الدنيا - بمعنى مسيطرين عليها لأنهم اخذوا كافة الاحتياطات الطارئة كالمؤثرات المناخية والكوارث الطبيعية والحروب - فاعتقدوا بان لأي قوة على الأرض تدمرها – أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلنها حصيد – حصيد هي النباتات المصفر الذي تجمعها الرياح والسيول العارمة من كل مكان – وحصيد أيضا تعني ما حصد من المحاصيل فتحول من الوضع القائم الى وضع المطروح بعد حصده - كان لم تغن بالأمس –فاليوم بعد أمر الله ما عادة تنفع شيئا - بعد ما كانت شاهقة بالأمس - كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا
يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا
وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا
أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ
بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{24}
تعليقات
إرسال تعليق