من الاية 1 -12 يونس
غاصت المجتمعات الوثنية في ظلمات الأكاذيب الدينية المفتراة على الله لقرون من الزمن - مستحوذا عليها الشيطان لغياب الحق فارتبطت تلك الافتراءات بالمصالح السلطوية والمنافع الاقتصادية والحريات الشخصية المكتسبة من تجارة الأوثان- وما يفرض على الناس من قيود وغرامات إزاء تلك الخرافات - ولكونها تلبي غايات ورغبات الفاسدين من البشر فتراهم أكثر تمسكا بها –فأصبحت الأوثان كل شيء في حياتهم حتى ان طقوسها تدخلت في نشاطهم الزراعي والتجاري والعلاقات الاجتماعية - المشكلة ان الوثنين يعتقدون ان دينهم هو دين الحق لكثرة ما شرع للأوثان تحت اسم الله- فأي دعوة جديدة تحرك الفكر لإبطال تلك الأكاذيب والافتراءات تجابه بالرفض والكفر والاستنكار والاستغراب -- أكان للناس عجبا ان أوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس – بالعذاب والدنيوي والخزي الأخروي - وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم -- قال -- الكافرون ان هذا لساحر مبين – اتهم ما أوحي بالسحر- كما اتهم النبي بالساحر -- فالذي اتهمه هم أصحاب المنافع الاقتصادية والسلطوية التي تعتاش على تجارة الأوثان - لمنع الناس من التأثر بأي عقيدة جديدة مناهضة لعقيدة الأوثان --
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ{1}أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ{2}
فمن ظلمات الوثنية الشركية تسير مفاهيم خلق الكون والطبيعة وفق تكهنات عقائدية وثنية مرتبطة بالرزق والتجارة والمنافع الاقتصادية --مع إعطاء دور للأرباب والإلهة الأخرى في خلق السماوات والأرض – فأي كان نوع ذلك الاعتقاد أو شكله يضع الله الاعتقاد الصحيح – ان ربكم الله – فأي أرباب مع الله اعتقاد خاطئ -- وأي اعتقاد ديني غير مدعوم بنص ديني أيضا اعتقاد خاطئ – أنهى الله جدلية تدخل الأرباب والإلهة الأخرى في خلق السماوات والأرض – فقال - ان ربكم الله - – كما أنهى الله جدلية الفترة التي استغرقت في خلق السماوات والأرض في قوله -- ان ربكم الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام – ثم استوي على العرش - لا يفهم من ذلك ان الله استراح بعد خلق السماوات والأرض ليجلس على كرسي العرش -- إنما استوي على العرش تعني فرض الإدارة الطوعية للكون بالاشتغال الطوعي لأداء وطائفيه الخلقية لتبدءا الحياة والنشأة الأولي بتكون المؤثرات الحياتية -- كالليل والنهار ونزول الماء والشمس والقمر لتبدءا الحياة على الأرض – والدليل على قولنا هو—قوله - يدبر الأمر – فالتأثيرات المناخية الفصلية واليومية التي تطراء على الأرض تجعل الإنسان يتبع تدبير الله للسعي وراء الرزق والعمل – سؤال - يطرح نفسه ما هو البعد العقائدي من طرح النظام الكوني - الجواب - هو لإبطال الشفاعة الدنيوية التي رسختها وثنية الملائكة بنات الله على ان لهن دور في التأثير على النظام الكوني المرتبط بحياة الناس ومقدراتهم المعيشية – قال - يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه - بما ان الملائكة بنات الله ليس لهن شراكة مع الله لا في خلق السماوات ولا في خلق الأرض – إذن ليس لهن دورا في تدبير الأمر- كما ليس لهن شفاعة دنيوية على البشر كإنقاذهم من الشر أو تقديم الخير لهم -- لان الله وحده هو من يدبر الأمر -- ذلكم الله ربكم فعبدوه - أفلا تذكرون –
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ{3}
ما الفائدة من تذكر الناس بعظيم خلقه - ليؤكد لهم - بان لهم كرة أخرى وحياة ثانية -- إليه مرجعكم جميعا وعد الله حق حقيقي وليس زائف - ما هو الدليل على الرجعة الى الله مرة أخرى- انه يبدأ الخلق ثم يعيده - فالذي بداء بالخلق أول مرة -- قادر على رجعه من جديد – ما هي عاقبة الرجعى الى الله – ليجزي الذين امنوا بالله واليوم الأخر وعملوا الصالحات بالقسط - والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ{4}
التذكير مستمر- هو الذي جعل الشمس ضياء للسعي وراء الأرزاق فالشمس هي من تحدد طول النهار وليس طول اليوم الواحد - والقمر نورا -المقصود بالنور ليستنير الإنسان في تحديد الأيام والأشهر والسنين من خلال منازله المختلفة لتعلموا عدد السنين والحساب – ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون –من مكملات العملية الحسابية للأيام والأشهر والسنين – الليل والنهار – ان في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون – يبتعدون أنفسهم عن عذابه
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{5} إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ{6}
من تأثر بالآيات أعلاه لقد حقق الإيمان بلقاء الله-- إما الذين لا يرجون لقائنا ورضوا بالحياة الدنيا وطمئنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون – غافلون - بمعنى لا يعيرون لها انتباها لانشغالهم بالحياة الدنيا – أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون –يكسبون - تعني المكاسب الدنيوية التي يسعون الى تحقيقها –جعلتهم في غلفه عن آيات الله
إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ{7} أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{8}
ان الذين امنوا بلقاء الله وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم – إيمانهم بالله هو من سيهديهم الى مكملات الهدية -- تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم -- دعواهم في جنات النعيم -- سبحانك اللهم -- وتحيتهم فيها سلام - فالملائكة تلقي عليهم السلام والاطمئنان بان لا خوف بعد اليوم – وأخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{9} دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{10}
فالذين لا يرجون لقاء الله - كانوا يستعجلون الله بالعذاب الدنيوي قبل العذاب الأخروي -- قال الله - لو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم اجلهم - فنذر الذين لا يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون نهب الحياة لهم ليتمادوا في طغيانهم – يعمهون – تعني يتمادون بكل مفاهيم الطغيان الذي يمنعهم من تغير سلوكهم اتجاه خالقهم --
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ{11}
يشرح الله لنا حال المشركين الذين يستعجلونه بالعذاب الدنيوي - إذا ما تعرض احدهم الى عارض مهلك – قال الله -- إذا مس الإنسان الضر دعانا حسب الوضع الذي هو فيه -- لجنبه أي مضطجع أو قاعدا أو قائما – فلما كشفا عنه ضره مر كان لم يدعنا الى ضرا مسه – السؤال - لماذا يقر الإنسان بخالقه في المحن والمصائب المهلكة ولما يكشف ما به من ضر عاد الى ما كان يدعو إليه من قبل – الجواب - كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون – من الذي زين للمسرفين ما كانوا يعملون - هو الشيطان الذي استغل كشف الله الضر لصالحه - مزمعا ان الأوثان أو الإلهة التي تعبدونها وما يقدموه لهن من أعمال صالحة - هي من أنجتكم من الضر- وليس الله -- كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون
وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ
دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ
ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ
لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{12}
تعليقات
إرسال تعليق