من الاية 120 – 129 التوبة
قلنا في بداية سورة التوبة ان إعلان الحرب على ناقضي صلح الحديبية قريش وحلفائها في سنة تسع للهجرة - أرغم الكثير من القبائل العربية المشركة بالله واليوم الأخر على الدخول في الإسلام غير ان إيمانهم لم يكن بالمستوى المطلوب حيث ظهر النفاق والتآمر وحتى ردة البعض منهم عن الدين - وقد ظهر ذلك جليا في معركة تبوك سنة تسع للهجرة حيث تخلف الكثير من الإعراب وأهل المدينة عن المعركة – قال الله – ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه - نفس النبي ترغب بالقتال وأنفسهم ترغب بالقعود – ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ – عطش ولا نصب – تعب السفر – ولا مخمصة جوعا في سبيل الله ولا يطؤون موطئا - أي يصلون الى مكان يغيظ الكفار- ولا ينالون من عدو نيلا – سواء ان كان نيل المعركة – أو نيل التهديد - إلا كتب لهم عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين -- ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم أحسن الله ما كانوا يعملون --
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{120} وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{121}
التحقت القبائل العربية التي دخلت في الإسلام في سنة تسع للهجرة مع القطعات العسكرية مباشرة - السبب لأنه لم تكن هنالك فرصه لتعليمهم التشريعات الدينية وحدود التنزيل ذلك مما ساعد على ظهر النفاق الديني -- ولو ان المؤمنين خصصوا لكل قبيلة مجموعة منهم يتولون مسؤولية تثقيف تلك القبائل عقائديا - لما ظهر بينهم النفاق الديني-- وضع الله إستراتيجية مستقبلية للتعامل مع القبائل التي ستدخل الإسلام لاحقا - وخاصة التي لها امتداد قبلي مع شبه جزيرة العرب حيث ستستنجد تلك القبائل بأتباعهم من المؤمنين في شبه الجزيرة لتخليصهم من سيطرة فارسي على العراق - وسيطرة الرومان على بلاد الشام - والتي سميت بالفتوحات الإسلامية – بما ان معركة تبوك هي أخر معركة خاضها النبي - فآلية التنسيق بين الجهاد الدعوة كانت مفقودة - ما كان المؤمنون ان ينفروا كافة – لا يصح النفير العام - فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذرا قومهم أذا رجعوا إليهم – رجعوا من الجهاد - لعلهم يحذرون – فهذه الآلية سوف تطبق مع الفتوحات الإسلامية للتنسيق بين الدعوة والجهاد – الآلية – يتم تشكيل من كل فرقة عسكرية طائفة ممن لهم باع طويل في الدعوة القران ولهم علم كل بحدود التنزيل – ثم يتم تشكيل من كل فرقة عسكرية طائفة أخرى ممن دخل في الإسلام من القبائل-- حيث تجتمع الطائفة الأولى مع الطائفة الثانية -- ليعلموهم حدود التنزيل – فإذا رجع إتباع الطائفة الثانية أبناء القبائل من الجهاد - وجدوا إفراد طائفتهم قد تفقهوا في الدين -- إذا رجعوا إليهم أي من الجهاد - لعلهم يحذرون – يحذرون محرمات الدين
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ{122}
شكلت القبائل العربية التي دخلت في الإسلام مع المهاجرين والأنصار قوة عظيمة لا يستهان بها ذلك مما زعزع لأمن الإقليمي للإمبراطورية الفارسية في العراق والإمبراطورية الرومانية في بلاد الشام - حيث ظهرت بعض المؤامرات منها مؤامرة مسجد ضرار التي اتسمت بالتهديد الخارجي للإسلام بالاتفاق بين أهل الكتاب حلفاء الإمبراطورية الرومانية - ومنافقي الأعراب وأهل المدينة – لم يكن تهدد الإمبراطورية الرومانية للإسلام في شبه الجزيرة تهديدا فعليا بسبب اتفاقية الجزية التي أنهت التهديد القومي بموافقة الكنيسة على دفع الجزية مقابل معاهدة سلام لإنهاء حالة التوتر في المنطقة – إما ما يخص الإمبراطورية الفارسية فلأمر يختلف تماما - حيث استنجدت القبائل العربية في العراق التي لها امتداد قبلي مع قبائل شبه جزيرة العرب بالجيش الإسلام لتخليصهم من سيطرة فارس – فأول إستراتيجية وضعها الله للمسلمين للدفاع عن الأمن القومي الإسلامي - هي - القضاء على مكامن التهديد القومي القادم من فارس – بما ان الإمبراطورية الفارسية هي اقرب الى شبه جزيرة العرب --قال الله -- يا أيها الذين امنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة وعلموا ان الله مع المتقين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{123}
مقارنه بين المؤمنين والمنافقين في مدى الاستجابة لتوجيهات الله فيما يخص التصدي لتهديدات الأمن القومي الإسلامي – قال الله – المؤمنون --وإذا أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته إيمانا فإما الذين امنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون – المنافقون -- وإما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون --
وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{124} وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ{125}
المنافقون في اختبار مستمر - أولا يرون أي المنافقون - أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون – أي لا تظهر عليهم بوادر التوبة - ولا هم يذكرون – ولا يذكرون - بمعنى لا يتأثرون بالآيات التي تفضح نفاقهم -
أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ{126}
كيف نفهم سلوك المنافقين -لا هم يتوبون ولا هم يذكرون - وإذا ما نزلت سورة تحث المنافقين على الطاعة أو الإنفاق أو الجهاد في سبيله - نظر بعضهم الى بعض - هل يراكم من احد – هو تعبير على الانسحاب المتخفي لعدم رغبتهم في الاستماع الى قول الحق -- ثم انصرفوا - صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون -
وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون{127}
الخطاب موجه للمنافقين – لقد جاءكم رسول من أنفسكم أي من جنس البشر ومن لسانكم ومن رحم معاناتكم عزيز عليه - أي ليس سهلا عليه ما عنتم – عنت تعني الفضيحة والسمعة السيئة التي اكتسبتموها في مجتمعاتكم بسبب نفاقكم المتواصل - حريص عليكم – حريص على إخراجكم من براثن النفاق لما فيه خير لكم في الدنيا والآخرة –ليس في قلبه النبي غلا عليكم -- بل بالمؤمنين رؤوف رحيم – فان تولوا عن قول الحق وعادوا الى نفاقهم فقل حسبي الله لا له إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم --
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ
أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ
رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{128} فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ
إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{129}
تعليقات
إرسال تعليق