من الاية 38 – 52 التوبة
بعد انتصار المؤمنين في معركة حنين وفتح مكة خضعت الجزيرة العربية بالكامل لإرادة الحق - مما اقلق ذلك التواجد الصليبي المسيحي واليهودي في شمال غرب الجزيرة العربية على امتداد بلاد الشام حيث ظهر تحشد واستعدادات عسكرية لاجتياح شبه الجزيرة لإجهاض دعوة الحق – أمر الله بالتصدي لها -- قائلا –قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون – فالجزية لم تفرض على عوام أهل الكتاب في شبه الجزيرة كما يعتقد البعض -- إنما فرضت على مركز الكنيسة في بلاد الشام - التي كانت تدعم الجيوش الصليبية بتمويل من أمول أهل الكتاب التي يخذها الأحبار والرهبان تحت اسم الله -- فلا فرق بين مشركي العرب الذين قالوا الملائكة بنات الله ولا بين اليهود وبين النصارى الذين قالوا المسيح هو الله -- الجميع هم أعداء الله – قالت اليهود عزيرا ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون – يضاهي – يطابق أو يساوي اعتقاد الذين كفروا من المشركين العرب من قبل -- قاتلهم الله أنا يؤفكون --
شاع الخبر بين المؤمنين بان الله أمر النبي بالتصدي للتواجد الصليبي المسيحي شمال غرب الجزيرة العربية – بدعوة النفير العام للقتال بمعنى كل من قادر على حمل السلام فليستعد للمعركة –وسينطلق الجيش من المدينة شمالا الى تبوك ومنها غربا فالمسافة بعيدة جدا وقد يستغرق الزحف لأشهر – فظهر التثاقل على بعض المقاتلين – خاطب الله الذين امنوا-- قائلا -- يا أيها الذين امنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الأرض –بمعنى وضعتم ثقلكم على الأرض وهو تعبير على الرفض بالمشاركة -- أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وما متاع الحياة الدنيا بالآخرة إلا قليل – هدد الله المتثافلين من المؤمنين بعذاب اليم -- قائلا -- إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضره شيئا والله على كل شيء قدير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ{38} إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{39}
رجع التنزيل قليلا الى الوراء الى بداية الهجرة وتحديد الى حادثة الغار ليذكر المتثاقلين عن القتال – قائلا -- إلا تنصروه بمعنى فان لم تنصروه في هذا الأمر فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه أي النبي يقول لصاحبه الذي معه في الغار لا تحزنن ان الله معنا - فانزل سكينته عليه أي على صاحب النبي وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا الذين لحقوا بالنبي لقتله هي السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم --
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{40}
انفروا خفافا بهمة وعزم للمشاركة في المعركة دون تردد -وثقالا - ومتثاقلين – وهنا أمر بالنقير العام على الجميع سواء ان كانوا خفافا أو متثاقلين -- وجاهدوا بأموالكم أي اشتروا من أموالكم المعدات العسكرية وبأنفسكم استعدوا لمواجه العدو ذلكم خيرا لكم ان كنتم تعلمون ---
انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{41}
كشف الله نوايا المتثاقلين -- قائلا -- لو كان عرضا قريبا أي عرضا من عروض الدنيا - قريب المسافة سهل المنال دون مشقة لاتبعوك ولكن بعدة عليهم الشقة – شعورا بالمشقة لبعد المسافة -- وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون – إذن السبب ليس بعد المسافة إنما هو النفاق الديني المعشش في قلوبهم --- ونتيجة للأعذار المتكررة التي تلقها النبي من بعض المقاتلين -أذن للبعض منهم بالقعود عن المعركة - لكن الله عاتب بنبيه – قائلا-- لا أثم عليك عفا الله عنك لما استعجلت لهم بالقعود حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين – لا يستأذنك بالقعود عن المعركة الذين يؤمنون بالله واليوم الأخر ان يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين -- إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الأخر وارتابت قلوبهم وهم في ريبهم يترددون – يترددون بين الإيمان والكفر -- ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة بمعنى لجهزوا أنفسهم بالمعدات العسكرية ولكن كره الله انبعاثهم – كره الله خروجهم معكم - لأسباب ستعرفونها لاحقا --–فثبطهم - وقيل اقعدوا مع القاعدين
لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{42} عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ{43} لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ{44} إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ{45} وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ{46}
بين الله للمؤمنين ولنبيه الأسباب التي سكت عنها لما رفض بعض المنافقين الخروج للمعركة ليتحقق التثبيط الذي وقع عليهم من الله -- لأنه كره خروجهم وانبعاثهم– ثم بين أسباب أخرى -- قائلا – لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا – اضطرابا وتخبطا في اتخاذ القرارات الصائبة –أولا -- وثانيا - ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة -- وهنا المقصود في الجانب العسكري إثارة الإشاعات المغرضة لتفكيك وحدة الصف -- وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين – لا يحتاج الى توضيح أكثر من ذلك ولقد علمت يا محمد بسلوكهم المتقلب - ولقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون – بعض المؤمنين من أهل الكتاب لما سمعوا بقتال الصليبين اعتذروا عن المشاركة في قتال أتباعهم من المسيحيين تحت ذريعة الوقوع بالفتنة -- ومنهم من يقول ائذن لي بالقعود ولا تفتني إلا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين --
لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{47} لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ{48} وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ{49}
كان المنافقون يتعاملون مع الإيمان بازدواجية - قال الله -ان تصبك حسنة -- نصرا أو فتحا تسؤهم أي يستاءون منه هو أمر مؤلم في أنفسهم وان تصبك مصيبة كهزيمة - يقولون قد أخذنا أمرنا اي أخذنا احتياطاتنا لذلك الأمر من قبل ويتولوا وهم فرحون – فرحون بما أصابك من هزيمة – يعتقد المنافقون ان تخليهم عن أمر الله وأمر النبي سيكون له أثرا في وقوع المصيبة على النبي والمؤمنين – قل لهم يا محمد -- لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فيتوكل المتوكلون – قل هل تتربصون بنا أي تنتظرون ان أتحل بنا مصيبة وفيها لنا احدي الحسنيين أما النصر وأما الموت في سبيل الله ونحن نتربص بكم ان يصبكم الله بعذاب من عنده - أو بأيدينا – أي يسلطنا عليكم -- فتربصوا أنا معكم متربصون
إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ
وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ
وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ{50} قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ
اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{51}
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ
نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ
بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ{52}
تعليقات
إرسال تعليق