من الاية 30 – 37 التوبة
بعد انتصار المؤمنين في معركة حنين وفتح مكة خضعت الجزيرة العربية بالكامل لإرادة الحق - مما اقلق ذلك التواجد الصليبي المسيحي واليهودي في شمال غرب الجزيرة العربية على امتداد بلاد الشام حيث ظهر تحشد واستعدادات عسكرية لاجتياح شبه الجزيرة لإجهاض دعوة الحق – أمر الله بالتصدي لها -- قائلا –قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون – فالجزية لم تفرض على عوام أهل الكتاب في شبه الجزيرة كما يعتقد البعض -- إنما فرضت على مركز الكنيسة في بلاد الشام - التي كانت تدعم الجيوش الصليبية بتمويل من أمول أهل الكتاب التي يخذها الأحبار والرهبان تحت اسم الله -- فلا فرق بين مشركي العرب الذين قالوا الملائكة بنات الله ولا بين اليهود وبين النصارى الذين قالوا المسيح هو الله -- الجميع هم أعداء الله – قالت اليهود عزيرا ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون – يضاهي – يطابق أو يساوي اعتقاد الذين كفروا من المشركين العرب من قبل -- قاتلهم الله أنا يؤفكون
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ{29} وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{30}
من الأسباب التي دفعت الى قتال المشركين من أهل الكتاب وفرض الجزية على الكنيسة هي الاستعدادات العسكرية المدعومة بالأموال من قبل الأحبار والرهبان -- قال الله -- اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دول الله والمسيح عيسى ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا اله إلا هو سبحانه عما يشركون – ما هي الدوافع والأسباب التي دفعت بالأحبار والرهبان الى تقديم الدعم المالي للجيوش الصليبية هو لإجهاض دعوة الحق في شبه جزيرة العرب – قال الله – يريدون ان يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا ان يتم نورة ولو كره الكافرون --- فلما بعث الله نبيه بالحق أراد ان يظهر دينه على جميع الأديان – قال الله – هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون –
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{31} يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{32} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{33}
بين الله للمؤمنين المبررات والأسباب التي دعت الى قتال أهل الكتاب وفرض الجزية على الكنيسة -- قائلا – يا أيها الذين ان كثيرا من الأحبار والرهبان ليؤكلون أموال الناس أي أموال أهل الكتاب بالباطل تحت اسم الله -- بالربا والنصب والاحتيال وصكوك الغفران وحمل الخطيئة والمخلص ويصدون عن سبيل الله – فوصل بهم الحال الى درجة ان الأحبار والرهبان أكلوا أموالهم بالباطل ولم يكتفوا بذلك بل يصدونهم عن سبيل لله -- فما يأخذ منهم باسم الله لا ينفقونه في سبيل الله إنما يكنز في سبائك من ذهب وفضة لدعم مراكزهم الدينية أو تمويل الجيوش لنشر عقيدتهم الضالة تحت تهديد القوة والسلاح -- فهم لا ينقونها في سبيل الله كما يزعمون – ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم – يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون – وهذا مشابه لما يفعله رجال الدين اليوم المقيمين على الأضرحة والأماكن المقدسة فهم يجمعون الأموال تحت اسم الله –وبذريعة أنفاقها في سبيل الله – بينما هم يجمعونها ويكنزونها في عقارات وأملاك وقصور فارهة في بلدهم وخارجها -- يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{34} يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ{35}
عرفنا أساليب الأحبار والرهبان الخبيثة في جمع الأموال من أهل الكتاب بطرق ملتوية للصد عن سبيل الله -- يشير الله الى أسلوب أخر اتبعه زعماء المشركون العرب في جمع الأموال من خلال التلاعب بأشهر الحرم – وهنا إشارة الى التشابه بين المشركين من أهل مكة -- والمشركين من أهل الكتاب –فالإشارة هنا للعموم ان جميع المشركين في العالم يجمعون الأموال بطرق غير شرعية ليصدوا بها الناس عن سبيل الله -- وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ -- ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم – المحافظة على عدة أشهر الحرم وقدستها من قيم الدين – قال الله – ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم – وقاتلوا المشركين كافة من أهل الكتاب المدفوعين من الأحبار والرهبان-- المشركين العرب المدفوعين من قبل زعماء قبائل الذين يجمعون الأموال من تشريعات فاسدة نسبت الى الله --- كما يقاتلونكم كافة وعلموا ان الله مع المتقين – فالمشركين يتصدون لدعوة الحق بكل ما لديهم من وسائل – إعلامية وثقافية وعسكرية وعقائدية – وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً -- من الأساليب الخبيثة التي ابتدعها زعماء مشركي العرب في جمع الأموال هي التلاعب بأشهر الحرم –النسيء – النسيء- يعني الدّين – بمعنى يستدينون شهرا من أشهر حرم السنة القادمة ثم يضاف الى السنة الحالية أو بالعكس –وهذا حسب ما تتطلبه تجارتهم ومصالحهم الاقتصادية المكتسبة من التلاعب بأشهر السنة – إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا -- فشهر النسيء مرة يجعلونه شهرا محرما ومرة يجعلونه شهرا محلا -- ليواطئوا – جاءت من التواطؤ أو الاستهانة في عدة ما حرم الله -- أي بأشهر الحرم - فيحلوا ما حرم الله -- زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ
اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات
وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ
تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا
يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{36}
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ
يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ
اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ
وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{37}
تعليقات
إرسال تعليق