من الاية 13 – 28 التوبة
قلنا في المقالة السابقة -- أول قرار صارم اتخذه الله بحق ناقضي معاهدة الحديبية الذين لم يستجيبوا للتوبة عن الشرك والكفر - فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي – إعلان الحرب - فإذا انسلخ أشهر الحرم لسنة 8 للهجرة فقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم اسري واحصروهم أي ضيقوا عليهم الحياة وأنشطتهم التجارية وقعدوا لهم كل مرصد وكل مكان يتوافدون إليه – فان تابوا عن شركهم ودخلوا الإسلام وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم -- ودليل على دخولهم الإسلام إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة – إقامة الصلاة تعني بناء المساجد - إيتاء الزكاة تطبيق الأعمال الصالحة التي أمر الله بها - فخلوا سبيلهم - ان الله غفور رحيم –
بعد ان انتهت أشهر الحرم لسنة 8 للهجرة - لم تظهر على قريش اي بوادر للتوبة عن الشرك والكفر أمر الله الى فتح مكة – ومع بداية سنة 9 للهجرة أمر الله النبي بشن الحرب عليهم – قائلا- إلا تقاتلون قوما نكثوا أيمناهم أي نقضوا الحديبية وهموا بإخراج الرسول وإخراجكم من مكة وهم بدؤوكم أول مرة هم من بدا بالعدوان أولا - أتخشونهم أتخافون منهم - فالله أحق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين – قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين – ويذهب غيض قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ{13} قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ{14} وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{15}
لما سمع المؤمنون بقتال قريش وفتح مكة وان الجيش سوف يتوجه إليها - أثار ذلك تخوفا في نفوس البعض منهم مما قد تسببه تلك المواجهة الى تعرض أقرباءهم وأبنائهم ممن بقي في مكة الى القتل – قال الله - أم حسبتم ان تتركوا هل اعتقدتم ان تتركوا دون اختبار إيمانكم اتجاه أقربائكم وأبنائكم من استحبوا الكفر على الإيمان - ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة – وليجة - جاءت من يلج ولوج أي تداخل بين الأهل والأقرباء والله خبير بما تعملون
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{16}
بعض المؤمنين في المدينة لهم أقرباء وأبناء وآباء مشركين في مكة قائمين على عمارة المسجد الحرام وتقديم الخدمات للحجيج ولما سمعوا بفتح مكة استغربوا من ذلك ما قد يعرض المسجد الحرام الى التدمير بسبب الحرب -– قال الله – ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون – بمعنى ليس لهم اجر بكل ما يقدمه في خدمة المسجد الحرام –إنما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الأخر وأقام الصلاة واتى الزكاة ولم يخشى إلا الله فعسى أولئك يكنوا من المهتدين – فالمساجد تعمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة – لا بالطقوس الوثنية وتقديم الكفر والضلال للحجيج
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ{17} إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ{18}
انتم يا من لكم أقرباء وآباء وأبناء في مكة قائمين على عمارة المسجد الحرام أجعلتم ذلك من الإيمان وهل يتساوى إيمانهم مع من امن بالله واليوم الأخر وجاهد في سبيل لله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين –
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{19}
القائمون على عمارة المسجد الحرام وسقاية الحجيج ليس بمؤمنين – المؤمنون الحقيقيون هم الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل لله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون – يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم – خالدين فيها أبدا ان الله عنده اجر عظيم
الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ{20} يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ{21} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{22}
ولما لمس الله من المؤمنين في المدينة ممن لديهم أبناء وآباء وأزواج في مكة يكنون المولاة لهم – وجه إليهم خطابا - قائلا - يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء ان استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون – قل لهم يا محمد - ان كان آباؤكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{23} قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{24}
هل انتم خائفون من لقاء قريش لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلن تغني عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين – ثم يتوب الله على من يشاء من الكافرين ممن لديه الرغبة الدخول في الإسلام والله غفور رحيم – أول إجراء أمر به الله بعد فتح مكة هو طرد المشركين منها مع منع أي مشرك من الدخول إليها وهذا الإجراء عادل لأنهم هم أول من هم بإخراج النبي والذين امنوا معه من ديارهم -- أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ – يا أيها الذين امنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا أي عام فتح مكة وان خفتم علية أي ركودا اقتصاديا بسبب قلة الوافدين إليها من المشركين فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء ان الله عليم حكيم --
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي
مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ
تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ{25} ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ{26} ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ
ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{27} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ
يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{28}
تعليقات
إرسال تعليق