من الاية 15 – 26 الأنفال
نظرا للتخاذل والهلع الذي أصاب المؤمنين ومراودة البعض منهم بالهرب من المعركة بعد سماعهم بالمواجهة العسكرية مع المشركين عند أبار بدر – ولولا تدخل الله لاحتواء الموقف لفتكت قريش بالمؤمنين ولاجتاحت المدينة – ولأدراك الموقف إنزال الله بعض الآيات منها نزول الماء – لثبت به الإقدام - وبشرى الملائكة بالنصر - وتحديد أماكن الضعف عند المشركين بضرب منطقتي ما فوق الأعناق وكل بنان أي الأطراف – انتهت المعركة بالنصر كما وعد الله -- فبعد تلك المعركة لن يتدخل الله بآيات التعبئة وتثبيت الأقدام إنما ضع لهم إستراتجية عسكرية لمواجهة العدو مع تحديد العقوبة الاخروية لكل من قرر الفرار من ساحة المعركة – قال الله -- يا أيها الذين امنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا – زحفا تطلق على تقدم الجيش – إذا لقيتم الذين كفروا زحفا نحوكم أو نحو مدنكم فلا تولوهم الإدبار – أي لا تفرون من أمامهم – ومن يوليهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال –أي مغيرا مسار القطعات وفق خطة عسكرية كتبديل مواقع مع ما يتلاءم مع مجريات الأحداث -- أو متحيزا – أي انضمام إحدى التشكيلات العسكرية لإسناد قطعات أخرى– فالعقوبة الاخروية للمتولي عن يوم الزحف - فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير --
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ{15} وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{16}
نعود الى المقالة السابقة قلنا حصل خلاف كبير بين المؤمنين على أنفال معركة بدر - فمن المعروف عن المعارك كل مقاتل يغنم - دابة و سلاح وأمتعة قتيله – أما يتركه الجيش المنهزم في المعركة يخضع للتقسيم بين المقاتلين - فالخلاف كان على تقسيم الأنفال - أرادت جهة ما ان تسولي على الغنائم دون غيرها مدعية فضلها في إحراز النصر لقتلهم عدد من المشركين موعزين بذلك الى دور احد الرماة -- رد الله عليهم - قائلا – فلم تقتلوهم لكن الله قتلهم – وما رميت إذا رميت لكن الله رمى في قلوبهم المشركين الرعب - وليبلي المؤمنون منه بلاء حسنا ان الله سميع عليم بكل تفاصيل المعركة – من أسباب سقوط القتلى بين صفوف المشركين ليس مهارة الرماة ولا شجاعة المقاتلين - إنما هو الوهن والضعف الذي أصابهم -- ذالكم وان الله موهن كيد الكافرين
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{17} ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ{18}
تخلف بعض المؤمنين عن الخروج مع النبي الى معركة بدر بذريعة الفتح - أي بمعنى لن يشاركوا في أي معركة حتى يفتح الله لهم -- رد الله عليهم - قائلا -- ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح - أي لم يبقى لكم عذرا للتخاذل بذريعة الفتح -- وان تنتهوا – عن التخاذل عن المعارك القادمة - فهو خير لكم - وان تعودوا – وان تعودوا الى ذريعة الفتح للتخاذل مرة أخرى نعد – نعد بقرارات صارمة بحقكم - ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله مع المؤمنين – الخطاب موجه الى الذين كانوا يتذرعون بالفتح - يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه – أي ولا تتجاهلون طاعتهما وانتم تسمعون نداء الخروج الى المعركة -- ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا أي كالكفار وهم لا يسمعون -- ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون- ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون --
إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ{19} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ{20} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ{21} إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ{22} وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ{23}
الخطاب موجه للذين كانوا يتذرعون بالفتح المتخاذلين عن الجهاد - يا أيها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا عدائكم لما يحيكم – يحيكم - أي يرفع شانكم - ليجعل لكم حياة لها قيمة وهيبة بين الأمم – وهنا دعوة للجهاد وتشكيل قوة عسكرية لمنع أي اعتداء طارئ – فالأمة لم ينصلح حلها إلا بالجهاد في سبيل الله - واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه – بمعنى ان الله لا يعطي القلوب على هواها – فلربما القلب يهوي امرأ ما -- لكن فيه مضرة - وهذا ما حصل في معركة بدر عندما أراد المؤمنون غير ذات الشوكة أي اعتراض قافلة المشركين لتجنب ماسي الحرب - لكن الله حال بينهم وبين قلوبهم - وأبا الله إلا ذات الشوكة ليذق المشركين سوء العذاب – وانه أليه تحشرون – أي ترجعون الى الله وستحاسبون على ما في قلوبكم - الخطاب موجه للذين كانوا يتذرعون بالفتح المتخاذلين عن الجهاد - واتقوا فتنه – أي خافوا فتنة الاجتياح العسكري لكم ولمدنكم فهذه الفتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة أي الفاسقين والمتخاذلين عن الجهاد - إنما سيكون ضررها شاملا على جميع المؤمنين رجلا ونساءا وطفلا - وعلموا ان الله شديد العقاب اذ تخاذلتم عن الجهاد مرة أخرى – التذكير موجه للذين كانوا يتذرعون بالفتح المتخاذلين عن الجهاد - وذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الأرض أي في مكة تخافون ان يتخطفكم الناس أي تتعرضون للاغتيال والتغيب القسري – فآواكم أي هيئ لكم المدينة مؤوى لكم ليخلصكم من قمع واضطهاد قريش وأيدكم بنصره في معركة بدر فأصبحتم بفضله قوة كبيرة ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون – فالذي خلصكم من كيد قريش قادر ان يسلط عليكم اشد منهم اذ تخاذلتم عن الجهاد مرة أخرى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ
إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{24} وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ
ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{25}
وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن
يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{26}
تعليقات
إرسال تعليق