من الاية 38 – 48 الأنفال
فتح الله صفحة جديدة مع الذين خسروا معركة بدر من الكفار ممن لديه الرغبة بالتوبة الى الله -- قل يا محمد -- للذين كفروا ان ينتهوا عن قتالكم يغفر لهم ما قد سلف وان يعودوا الى قتالكم مرة أخرى فقد مضت سنة الأولين - مضت - جاءت من المضي أي أصبحت سارية المفعول ولقد لمسها المؤمنون والكفار واقعيا من خلال مجريات أحداث المعركة
قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ{38}
بعد ان فتح الله صفحة جديدة مع الذين لديهم رغبة بالكف عن قتال المؤمنين - وضع لهم آلية للتعامل مع الذين أصروا على قتالهم - قائلا –وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه – بمعنى قاتلوهم كي لا تقعوا في فتنة القتل لان تقاعسهم عن القتال قد يؤدي الى استباحة مدنكم وهذا ما حذر الله منه من قبل في سورة الأنفال - واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة – فالجهاد هو درع الأمة من أخطار المعتدين أصحاب العقائد الضالة الذين يحاولون إعادة المؤمنين الى دائرة الكفر – قاتلوهم ليكون الدين لله وحده فلا احد يفرض عليكم دينه بقوة السلاح والقتل -- وان انتهوا عن قتالكم فان الله بما يعملون بصير- وان تولوا أي اعرضوا عن الكف عن قتالكم - فعلموا ان الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{39} وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{40}
شرع الله قانون عام لتقسيم الغنائم التي يتركها الجيش المنهزم من ارض المعركة - الخطاب موجه للذين جاءوا الى النبي يسألونه عن الأنفال في مطلع السورة واعلموا - أي على الذين سألوا عن الأنفال – مفردها إعلام – وتعني إعلام جميع المؤمنين بهذا القانون - إنما غنتم من شيء فان لله خمسه وللرسول بمعنى 20 % من الغنائم سيبقى تحت تصرف الرسول لا لبيعها أو إنفاقها في سبيل الله - إنما تخزن كتجهيزات عسكرية مدخرة للمعارك القادمة - أما المتبقي منها 80 % للفقراء ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل --ان كنتم أمنتم بالله- يقصد الذين سألوا النبي عن الأنفال – ان كنتم أمنتم بالله وما انزل على عبدنا محمد يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ما هو الشيئي الذي انزل على محمد قبيل معركة - نزول الماء لتثبيت الإقدام وبشرى الملائكة بالنصر – وتحديد مناطق الضعف عند الكفار بضرب فوق الأعناق والإطراف وكل بنان – والله على كل شيء قدير
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{41}
يستمر التنزيل في سرد أحداث معركة بدر وما نزل على النبي يوم الفرقان يوم التقى الجمعان - وإذا انتم بالعدوة الدنيا أي القريبة الى المدينة شمالا والكفار بالعدوة القصوى أي ابعد منكم جنوبا – والركب أسفل منكم انحدارا مع الأرض محاذاة ساحل البحر الأحمر – ولو تواعدتم - أي لو أعطى بعضكم بعض موعدا بالحضور الى هذا الأماكن لاختلفتم في الميعاد – لكن الله دبر له تدبيرا محكما - لقضي أمر كان مفعولا - ليهلك من هلك على بينة ويحيى من حي على بينة وان الله لسميع عليم
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ{42}
لتوضيح ساحة المعركة خرج النبي والمؤمنون من المدينة جنوبا باتجاه قافلة قريش محاذاة الساحل – أما قريش فقد توجهت شرقا لاعتراض النبي قبل الوصول إليها – فنزل النبي وجيشه عند أبار بدر أما الكفار فتمركزوا أمامه جنوبا على بعد عدة أميال لمنع النبي من الوصول الى القافلة – طبعا الجيشان لا يرى بعضهم بعض غير ان إفراد الاستطلاع لكلا الفريقين ترصد تحركات بعضهم بعض – والدليل على قولنا ان الجيشان لا يرى بعضهم بعض هو ما ستفصح انه الآيات اللاحقة -- قبل بدا المعركة رأى النبي في منامه رؤيا كنت لها دورا كبيرا في ثبات المؤمنين أما العدو – اذ يريكهم الله في منامك قليلا أي إعداد جيش الكفار قليل – ولو أراكهم كثيرا - لفشلتم ولتنازعتم في الأمر – وهذا دليل ان الجيشان لا يرى بعضهم بعض - ولكن الله سلم انه عليم بذات الصدور – عليم بان منكم سيفر من ارض المعركة في حالة رؤية اعدد جيش الكفار- لكن الله سلم -- ولكي تتحقق رؤيا النبي واقعيا أثناء وقوع المعركة وإذ يركموهم إذا التقيتم في أعينكم قليلا - ويقللكم في أعينهم ليقضي الله امرأ كان مفعولا - والى الله ترجع الأمور --
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{43} وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ{44}
جميع الأحداث التي قراناها من بداية سورة الأنفال الى هذه الآيات فيها تدخل من الله في شؤون المعركة لحسمها لصالح المؤمنين وأبرزها رؤيا النبي قبل المعركة وتحجيم أعداد الجنود لكلا الفريقين للزج بهم الى ساحة المعركة ليقضي أمرا كان مفعولا – لن يتدخل الله في المعارك القادمة - ولكن وضع لهم إستراتيجية عسكرية تعلمهم على الثبات أمام العدو وهذه الاية فرضت على جميع المقاتلين – في الثبات -خاطب الله المؤمنين -- قائلا -- إذا لقيتم فئة فثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون – كما نهاهم عن النزاعات – وأطيعوا الله والرسول ولا تتنازعوا – ويقصد هنا النزاعات العسكرية على قيادة الجيش أو فرض الإرادات عند وضع الخطط لمواجهة العدو- على ان يكون القرار موحدة لكي لا تفشلوا وتذهب ريحكم بسب النزاع – ريحكم اي قوتكم - واصبروا ان الله مع الصابرين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ{45} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{46}
للاستفادة من الأخطاء العسكرية التي وقع بها العدو - وضح الله للمؤمنين أسباب الانهيار العسكري لجيش الكفار في معركة بدر - قائلا - ولا تكنوا كالذين خرجوا من ديارهم أي كخروج كفار قريش لملاقاة النبي بطرا ليس لهدفا معينا - ورئاء الناس –ليشيد الناس بمشاركتهم في المعركة – ويصدون عن سبيل الله – لمنع تمدد وانتشار دعوة الحق - والله بما يعملون محيط – وإذ زين لهم الشيطان إعمالهم –كان خرج المشركون لقتال النبي لدوافع عقائدية متعلقة بعقيدة الأوثان بنات الله - مزينا لهم الشيطان قائد الجيش أعمالهم على أنهم يدافعون عن الحق حسب اعتقادهم الديني – وقال الشيطان قائد الجيش لجنوده لا غالب لكم – بمعنى لا تستطع أي قوة ان تغلبكم – واني جار لكم - وأنا قائدكم – فلما تراءت الفئتان – أي استعد الفريقان للمواجهة نكص على عقبيه – متخليا عن مسؤوليته القيادية– لأنه تفاجئ بجيشا متأهبا ومستعدا للمعركة - فقال - إني أرى ما لا ترون – إني أخاف الله والله شديد العقاب – كذاب - فقول الشيطان إني أخاف الله والله شديد العقاب ليس نابعا عن عقيدة إيمانية حقيقية كالخوف من الله - إنما هي ذريعة للتملص من وعوده الكاذبة لجيش الكفار- لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ – ليخلي نفسه من المسؤولية كي لا يتحمل عواقب الهزيمة – ونتيجة لهذا التغير المفاجئ في قيادة الجيش حصل انشقاق ونزاعات حول من يتولى قيادته – فتفككت قوتهم وذهبت ريحهم -- وهذا ما نهى الله عنه ليعلمنا أخطاء أعدائنا في المعارك -- وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ --
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ
خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ
اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ{47} وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ
وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ
اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ{48}
تعليقات
إرسال تعليق