من الاية 27 – 37 الأنفال
قلنا في الاية 19 من سورة الأنفال - تخلف بعض المؤمنين عن معركة بدر بذريعة الفتح - أي بمعنى لن يشاركوا في أي معركة حتى يفتح الله لهم -- رد الله عليهم - قائلا -- ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح - أي لم يبقى لكم عذرا للتخاذل بذريعة الفتح بعد الانتصار في معركة بدر -- وان تنتهوا – عن التخاذل عن المعارك القادمة - فهو خير لكم - وان تعودوا – وان تعودوا الى ذريعة الفتح للتخاذل مرة أخرى نعد – نعد بقرارات صارمة بحقكم - ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله مع المؤمنين – الخطاب موجه الى الذين تذرعوا بالفتح – يا أيها الذين امنوا لا تخنوا الله والرسول - وهنا الخيانة عقائدية بعدم الامتثال الى أوامر الله ورسوله وتخونوا أمانتكم مفردها أمنانة وتعني أمنانة العقل وما أوثقته الأفئدة السمعية والبصرية في إدراك الإيمان وانتم تعلمون – وانتم تعلمون بخيانتكم لله ورسوله – تبين بعد ذلك ان الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أمانتهم لم يكن لسبب ذريعة الفتح - إنما هي فتنة الأموال والأولاد اللتان شغلتهم عن الخروج مع النبي – قال الله –واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة وان الله عنده اجر عظيم --
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{27} وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{28}
الخطاب موجه للذين تذرعوا بالفتح – يا أيها الذين امنوا ان تتقوا الله أي تخافوا عواقبه يجعل لكم فرقا – فرقانا – فرق فوارق فروق – بمعنى فارقا بين حسناتكم وسيئاتكم التي اكتسبتموها من خيانتكم لله والرسول وخيانتكم لأماناتكم يوم تذعتم بالفتح وتخاذلتم عن الخروج مع النبي - فبدون تقوى الله وطاعته لن يكون لكم فرقانا بين سيئاتكم وحسناتكم – ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم
يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{29}
توعد الله مشركي قريش بعذاب وخزي دنيوي في وقت هو يختاره وليس باختيارهم في جملة من الحوارات العقائدية دارت في مكة - فقبل الهجرة الى المدينة عقد زعماء قريش جلسة في مكة لوضع حد لتنامي المؤمنين فيها فخرجوا بثلاث توصيات - وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أي يضعون عليك إقامة جبرية أو يسجنوك أو يقتلوك تدبير لك محاولة اغتيال– أو يخرجوك أي يطردوك من مكة - ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين – ولقد مكر الله بهم حين اخرج النبي من مكة سالما معافى من كل ما دبر له - ومكر بهم يوم بدر ليذقهم سوء العذاب -- يعتقد الفكر الوثني الشركي لآهل مكة ان عقيدة الملائكة بنات الله هن الممثل الحقيقي لدين الله فعندما تتلى عليهم آيتنا قالوا قد سمعنا- سمعنا هي إشارة الى عدم المبالاة لما انزل الله - لو نشاء لقلنا مثل هذا – بمعنى ما انزله الله ليس غريبا علينا ولقد سمعنا بهذا من قبل - ان هذا إلا أساطير وخرافات الأولين
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ{30} وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ{31}
قلنا وعد الله مشركي قريش بعذاب وخزي دنيوي لكنهم لم يوقنوا به- على اعتقاد ان الملائكة بنات الله هن من يمنعه عنهم – فكانوا يتحدون الله بإنزال العذاب في كثير من الحوارات العقائدية – وإذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب اليم – بين الله للنبي وللمؤمنين أسباب عدم إهلاك المشركين في مكة - قائلا – ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم – فمن غير الممكن إنزال العذاب بالمشركين وأنت فيهم الى حين الفصل بينك وبينهم كخروجك من مكة الى المدينة - وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون – وما كان الله معذبهم ومنهم يستغفر الله سرا دون إعلان إيمانه
وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{32} وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{33}
يعتقد الفكر الوثني الشركي لأهل مكة ان عبادتهم للملائكة بنات الله وإدارتهم للمسجد الحرام وما يقدمونه من طعام وشراب للحجيج واعتنائهم بالأوثان يمنع عذاب الله عنهم - قال الله – وما لهم إلا يعذبهم أي ما المناع عن عذابهم - وهم يصدون عن المسجد الحرام – أي يمنعون المؤمنين عنه وهو حق لهم لا للمشركين -- وما كانوا أولياءه ان أولياءه إلا المتقون – كيف يكون المشركين أولياءه المسجد الحرام - وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصديه – مكاء نغيط الحمام وتصدية أشبه بالتصفيق – فصلاتهم عند المسجد الحرام أشبه بحمام مكة عاده لا عباده مجرد نغيط وتصفيق كما يصفق الحمام بجناحيه عند هبوطه على الأرض - فذوقوا العذاب عذاب الهزيمة في معركة بدر بما كنتم تكفرون -- بمعنى لو كنتم أولياء المسجد الحرام لما أخزاكم الله في بدر – وبناءا على تحديهم لله في مكة وطلبهم منه بإنزال العذاب بهم في قولهم - وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ – لقد استجاب الله لمطلبهم في الوقت الذي اختاره هو في معركة بدر لينزل بهم اشد العذاب -- الى جانب الخسائر البشرية التي تكبدها المشركون في بدر رافقها خسائر مالية واقتصادية -- ان الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل لله فسينفقونها ثم تكون حسرة عليهم ثم يغلبون - بالإضافة الى جانب الخسائر الدنيوية سوف يلاحقهم الخزي الأخروي - والذين كفروا الى جهنم يحشرون – ويوم القيامة يميز الله الخبث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهم أولئك هم الخاسرون
وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ
اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ
أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لاَ يَعْلَمُونَ{34} وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء
وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ{35} إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ
فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ{36} لِيَمِيزَ اللّهُ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ
فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ{37}
تعليقات
إرسال تعليق