من الاية 154 – 162 الأعراف
قلنا في المقالة السابقة - اقتنع موسى بأعذار أخيه هارون – فقال- ربي اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت ارحم الراحمين – انقسم بني إسرائيل بعد عبادة العجل الى فريقين فريق امن به - وفريق كفر بعد اكتشافه صوت العجل المصطنع – قال الله --ان الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين – والذين علموا السيئات - أي عبدوا لعجل لكنهم تابوا من بعدها وامنوا ان ربك من بعدها لغفور رحيم – بعد ان حدد الله ألمكانته العقائدية لكل من الفريقين سكت عن موسى الغضب واخذ الألواح وفي نسختها – اي نسخ كلام الله على الألواح -- وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون – أي يخافون من خزيه الدنيوي وعذابه الأخروي
وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ{154}
بعد ذلك اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربهم فانقسم بني إسرائيل على اثر ذلك الاختيار الى قوميين وعقائديين -- العقائديون هم الذين هادوا من بني إسرائيل - معظم هؤلاء من الرافضين لعبادة العجل -- ولما ذهبوا الى ميقات الله أخذتهم الرجفة - اي رجفة بهم الأرض – فظن موسى هذا هلاك مبين – لكنه فكر قليلا - فقال - قال موسى رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي – أي لو كانت عندك اشاءة على هلاكنا – لأهلكتنا قبل وصولنا الى ميقاتك - أتهلكنا بما فعل السفهاء منا - بمعنى أتأخذ البريء بجريرة المجرم - ان هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين – وكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة أنا هدنا إليك أي رجعنا إليك – قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون - أي يخافون عذابي ويأتون الزكاة - أي زكاة أنفسهم وهم بآياتنا يؤمنون – انبثق عن ميقات السبعون رجلا طائفة عقائدية أخذت على عاتقها حمل كتاب موسى ووصاياه - أطلقت على نفسها الذين هادوا نسبة الى قولهم عند الميقات – أنا هدنا إليك
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ{155} وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ{156}
ما ذكرناه أعلاه في هذه المقالة وفي المقالة السابقة من أحداث موسى مع بني إسرائيل هي أحداث من الماضي الغيبي نقلها التنزيل الى حاضر الدعوة القرآنية ليطلع الذين هادوا على مجريات ما حصل لأسلافهم مع موسى عند ميقات الله – ولكن كيف كتب محمد في التوراة والإنجيل – فعندما نقرا قول الله - الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل – يعتقد البعض في هذه إشارة الى الكتب القديمة طبعا هذا غير صحيح – والسبب - لأن كل ما نقله الوحي من أخبار الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية وبلغ به محمد أهل الكتاب أصبح محمد جزاء منه – كيف - جمع المؤمنون من أهل الكتاب الآيات القرآنية التي تخص عقائدهم -مثلا - القوميون بني إسرائيل اهتموا بالآيات الإنجيلية التي جاء بها القران والتي نزلت على عيسى ابن مريم – والذين هادوا اهتموا بآيات كتاب موسى والآيات التوراتية التي جاء بها القران والتي نزلت على موسى -- فالقران أصبح جامع للتوراة والإنجيل – فالآيات التوراتية والإنجيلية التي نقلها محمد من الوحي لتصحيح عقائد أهل الكتاب أصبح جزا منها لأنها ذكرت على لسانه - قال الله - الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة – أي التوراة التي جاء بها القران - والإنجيل كذلك - يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم - فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون – ما يؤكد على صحة قولنا – الأفعال المضارعة التي حاضرت نزول القران – يأمرهم – ينهاهم – يحرم – يحل – يضع – إذن المقصود بها توراة القران وإنجيل القران وليس الكتب القديمة
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{157}
بعد هذه الاية أصبح محمد رسولا لجميع الناس من التوراتيين والإنجيليين ومشركي العرب – قال الله – يا محمد - قل يا أيها الناس إني رسول الله ليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا اله إلا هو يحي ويميت – فامنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته – أي كلمات التوراة وكلمات الإنجيل والقران واتبعوه لعلكم تهتدون
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{158}
ومن قوم موسى سواء ان كانوا من العقائديين أو القوميين القدامى أو التوراتيين أو الإنجيليين الجدد ممن امن بالدعوة القرائية - امة يهدون بالحق وبه يعدلون
وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ{159}
نأتي الى الطائفة القومية طائفة أسباط بني إسرائيل وهي خليط من عبدة العجل ومن العقائديين الذين هادوا جمعتهم قسوة الصحراء - لكن قطعتهم الزعامة القومية - فقطعوا أنفسهم الى أسباط – نستدل من هذا ان الزعامة القومية لبني إسرائيل هي أقوى من الزعامة العقائدية -- لذا نجد ان الذين هادوا انصاعوا للتقسيم القومي دون معارضة - فمن يحكم بين بني إسرائيل على مر الزمن هم القوميون لا العقائديون -- وقطعاهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وإذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم -- وفر الله الماء لقوم موسى – ولكن لا شيء يقيهم الحر- وظللنا عليهم الغمام أي جعلناها لهم ظلا – ولكن أيضا لا شيء يسد رمقهم من الجوع - وأنزلنا عليهم المن والسلوى – المن والسلوى هما طائران بريان - ونظرا لتوفر الماء وظل الغمام في الصحراء الحارة ساعد على جذب الطيور البرية مما سهل اصطيادها -- كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – لكنهم ظلموا أنفسهم عندما طلبوا من موسى {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }البقرة61
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{160}
لم تروق الحياة الصحراوية القاسية والطعام الواحد لأسباط بني إسرائيل فبدا تذمرهم منها - فاختار الله لهم البديل القومي وفقا لرغباتهم – قال الله - وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية – وهي قرية الجبارين– لأنها توفر كافة مقومات الحياة بالإضافة الى التنوع الغذائي - وكلوا منها حيث شئتم - وقولوا حطة - أي طاعة لأمر الله - وادخلوا الباب سجدا – التظاهر بمظهر القوة وكسر باب القرية سيخضع الجبارين للأمر الواقع - نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين – سؤال يطرح نفسه لماذا ربط الله غفران الخطيئة بدخول القرية أو الأرض المقدسة - السبب - لان الله يريد من أسباط بني إسرائيل أقامة دولة دينية وفقا لرغباتهم في مجتمع يمتلك كافة مقومات الدولة – وهذا لن يتحقق إلا بترك البيئة الصحراوية والانتقال الى المدن المتكاملة - لهذا طلب الله منهم دخول القرية - فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم –فقالوا قولهم المشهور- اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون - فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ – ونتيجة لظلمهم تفكك بني إسرائيل من الصحراء مشتتين بين القرى والأمصار ولم يتمكنوا من إقامة دولة دينية - سميت تلك المرحلة بمرحلة الشتات الأول
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ{161} فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ{162}
تنويه
تعتمد الطائفة القومية لأسباط بني
إسرائيل في تحقيق الوطن القومي على مبدأ الوعد المزعوم بالأرض المقدسة أو القرية
المقدسة آو ارض الميعاد والتي من أهم سماتها غفران الخطيئة على أرضها -
وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ
الْمُحْسِنِينَ – فمبدأ غفران الخطيئة ارتبط عقائديا مع الأرض الميعاد الآمر
الذي دفع بالصهاينة واليهود لاحتلال ارض
فلسطين – فالمعتقد القومي المزعوم أجاز لهم ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين
بالإضافة الى ممارسة كافة الحريات الشخصية والمفاسد اللاخلاقية على اعتقاد
منهم ان ما ارتكب من خطيئة على تلك الأرض
متجاوز عنه أي ان كان شكله أو نوعه --
تعليقات
إرسال تعليق