من الاية 130 – 143 الأعراف
قلنا في مقالة سابقة من المجتمعات التي مستهم البأساء والضراء بشكل مباشر والتي تطرق إليها القران بالتفصيل هم قوم فرعون – ولقد أخذنا آل فرعون نلاحظ ان الخطاب تغير من الملأ الى القوم الى آل – آل تعني - كل من تكتل مع فرعون رافضا لرسالة موسى يسمون آل فرعون – ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين أي سنين القحط ونقص في المحاصيل والثمار لعلهم يذكرون – يذكرون بان ما فيهم من قحط سببه سخط الله عليهم - تخللت سنوات القحط سنوات رخاء —فإذا جاءتهم الحسنة أي سنة الرخاء قالوا لنا هذه أي هذا بفضل آلهتنا - وان جاءتهم سنة قحط يطيروا بموسى ومن معه - والتطير هو تحميل موسى ومن معه مسؤولية سخط آلهة آل فرعون على شعبها – رد الله عليهم - قائلا --إلا إنما طائرهم عند الله – طائرهم تعني تفاؤلهم وشؤمهم عند الله - ولكن أكثرهم لا يعلمون – أي لا يعلمون ان القحط والرخاء هو من عند لله لا بسبب موسى ولا من معه
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ{130} فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{131}
طبعا آل فرع لم يؤمن بان القحط والرخاء من عند لله - فقلوا لموسى - مهما تأتنا من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين – أوقف الله آلية التعامل بسنين القحط والرخاء مستبدلا إياها بالآفات الزراعية المدمرة للمحاصيل والثمار- لثبت لهم ان طائرهم عند الله وان آلهتهم التي يعبدونها من دونه ليس لها دورا لا في القحط ولا في الرخاء لذا ابتلاهم بسنوات متتالية من القحط حتى جاءوا الى موسى راجين منه ان يكشف الله عنهم ما فيهم من رجز– فأرسلنا عليهم الطوفان – الطوفان هو ارتفاع مناسيب مياه الأنهر والجدول مما أدى الى تلف معظم الأراضي الصالحة للزراعة بسبب ارتفاع نسبة الملوحة – والجراد من الآفات الزراعية المتلفة للمحاصيل – والقمل آفات زراعية تصيب الأشجار المثمرة --والضفادع تكاثر الضفادع بشكل ملحوظ وتسللها الى المنازل نظرة تشاؤمية اعتقاديه يعقد بها آل فرعون - والدم – الدم يعني الدفن – يدم يدفن – وهي ترسبات طينية بكميات هائلة تأتي بها الفيضانات تعمل على غلق قنوات المياه الاروائية – وللدم تفسير أخر جاء من ألدمي – دمي الأشجار والمنازل بالرمال المتحركة التي تنقلها الرياح من المناطق الصحراوية الى المناطق الزراعية مما يسبب في إضعاف إنتاج الأشجار المثمرة - آيات مفصلات – تعني لكل أية وقع كارثي ملموس على آل فرعون - وبالنتيجة النهائية اعترف آل فرعون بآيات الله لكنهم استكبروا عن عبادته وكانوا قوم مجرمين – فكلما أصابتهم آفة من الآفات – قالوا- يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشف عنا الرجس لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل - فكلما كشف الله عنهم آفة الى اجل هم بالغوه أي الى فترة زمنية هم من يحددها اذ هم ينكثون
وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ{132} فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{133} وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ{134} فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ{135}
لم تجدي نفعا آيات الله في آل فرعون رغم من أنهم عاهدوه على الإيمان به مع زوال كل آفة - فانتقمنا منهم وأغرقناهم في اليم – اليم اسم من أسماء الماء- هو الماء الراكد في البحر أو ماء بطيء الجريان - بأنهم كذبوا بآيات الله وكانوا عنها غافلين – استغفال متعمد علما هم من طلب من موسى ان يرفع الله الرجس عنهم فرفعه - وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغربها - ليس بني إسرائيل إنما طوائف وقوميات أخرى كانوا يخفون إيمانهم سرا خوفا من فرعون وملئه البعض منهم من قوم فرعون والبعض الأخر من ديانات وقوميات أخرى وذوي السحرة الذين أبيدوا يد فرعون - التي باركنا فيها أي ارض مصر – أما ما يخص بني إسرائيل وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا – ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون – يعرشون أي يقيمون عروش الدولة بكل مفاصلها الزراعية والعمرانية والعسكرية
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ{136} وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ{137}
لم يرث بني إسرائيل ارض مصر بعد هلاك فرعون لأنهم خرجوا منها مع موسى متوجهين الى الوادي المقدس - وجوزنا بني إسرائيل البحر فاتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم –يعكفون أي معتكفين على ألهتهم ولا يقبلون بأي آلهة أو اله آخر- الأصنام تختلف عن الأوثان – الصنم هي رمز الهي لمخلوق يؤدي دورا كونيا أو حياتيا -- كالشمس والقمر والنجوم والكواكب أو الطاعة العمياء لزعماء البشر – أما الوثن يمثل رمزا روحيا لأبناء وبنات الله - كالمسيح المصلوب ابن الله - والملائكة بنات الله عند مشركي العرب -- قالوا يا موسى اجعل لنا آلها كما لهم آلهة - قال - أنكم قوم تجهلون – بين موسى لقومه العلة - قائلا - ان هؤلاء متبر أي مدمر دنيويا وأخرويا ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون – قال موسى لبني إسرائيل - أغير الله البغي لكم آلها وهو فضلكم على العالمين -- اخذ موسى يذكر بني إسرائيل بأحداث مسبقة ليؤكد لهم أفضليتهم على العالمين – قائلا – وإذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ{138} إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{139} قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{140} وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{141}
بعد ان تجاوز موسى وبني إسرائيل القوم الذين كانوا يعكفون على أصنام لهم - طلب الله منه ان يتفرغ للقائه فترة على ان لا تقل عن ثلاثين ليلية ولما تبين أنها لا تكفي أتمها بعشرة ليال فتم ميقات ربه أربعين ليلة – وهي الفترة التي كتب فيها موسى كتاب الله على ألواح الطين -- فعندما قرر موسى الذهاب لميقات ربه - قال - لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين – ولما ذهب لميقات ربه وكلمه الله علم موسى صوله الى المكان المحدد له – ثم طلب من الله النظر إليه - قال الله - لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني - فلما تجلى ربه الى الجبل – تجلى له أي ظهر له بجلاله جعله دكا أي اختفىت معالمه وأصبح مساويا للأرض خر موسى صعقا من شدة حالة التدمير فلما أفاق - قال - سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين --
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ
لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ
تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ{142} وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا
وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي
وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً
فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ
الْمُؤْمِنِينَ{143}
تعليقات
إرسال تعليق