من الاية 85 – 93 الأعراف
يعتبر شعيب خامس رسول حسب التسلسل التاريخي لمن قبله من الرسل – الى مدين أخاهم شعيب – قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره – إذن لديهم عدد من الآلهة يعبدونها من دون لله – قد جاءتكم بينة من ربكم –والبينة هنا ليس شيئا ماديا إنما هو تبيان للإعمال السيئة والفاسدة التي يمارسها قومه تحت اسم الله -- فالرسالة التي أراد شعيب إيصالها الى قومه هي ان أعمالكم وأنشطتكم الاقتصادية والمالية التي تمارسونها باسم الله تحت شريعة الآلهة التي تعبدونها من دونه هي أعمال فاسدة فجاء الوقت المناسب لتصحيحها عقائديا –من التشريعات الفاسدة التي نسبت الى الله والتي مورست تحت شرعية الإلهة هي السرقات التي ترتكب أثناء العملية الاقتصادية في الكيل والميزان وبخس الناس أشيائهم – فتلك المفاسد تمارس يوميا أثناء الأنشطة الاقتصادية من خلال التلاعب بوحدة القياس المعرفة الكيل والميزان –الكيل – المكيال هو وعاء ذو حجم معين يدل على كمية معينة فعند القياس يتم التلاعب أما بحجم الوعاء وإماء بعدد المكايل عند تعبئة العبوات -- وهنالك مفاسد أخرى ضمن الكيل هي المواد التي توضع في العبوات كالقناني والعلب والأكياس والغالونات والبراميل –فحجم العبوة يدل على وزنها – فالتلاعب يكمن بكمية المادة قد تجد وزن الكمية لا يتطابق مع ما هو معلن على العبوة – أما الميزان هي المواد التي توضع على الميزان فالبعض يتلاعب بحجم العيار وكتلته – ولا تبخسوا الناس أشيائهم – بخس الأشياء تعني تقليل من كفاءة السلعة من خلال التلاعب بالمواد التي تصنع منها ومن ثم بيعها بسعر السلعة الأصلية ويتم ذلك من خلال التقليد أو وضع عليها شعار الماركة الأصلية - وتشمل المواد الكهربائية والكمالية والإنشائية والمنزلية وقطع الغيار – فالتقليل من كفاءة السلعة أو سمكها أو عمرها أصبح إحدى تقنيات الغش الصناعي والتجاري فالتكنولوجيا الصناعية وصلت الى مراحل متقدمه يمكنها التحكم في عمر السلع المصنعة – هذه هي البينة التي جاء بها شعيب لقومه - وبعد هذا التبيان- قال شعيب لقومه ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين --
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{85}
من الأساليب الملتوية التي اتبعها المعارضون لرسالة شعيب هي أنهم يقعدون في جميع ميادين الحياة يوعدون شعيب بالإيمان بالله وبالكف عن مفاسد الأعمال لكنهم في نفس الوقت يصدون عن سبيل الله من امن به – أي يحرضون المؤمنين برسالة شعيب على تركها لأنهم يبغونها عوجا – وعد المعارضين لشعيب بالإيمان كلمة حق ولكن يراد بها باطل الذي يتناسب مع مصالحهم المالية والاقتصادية التي يجنونها من وراء الآلهة الفاسدة – يتمتع قوم شعيب برفاهية اقتصادية عالية مما انعكس ذلك على النمو السكاني المتزايد بشكل ملحوظ فكانت مدين من المدن الجاذبة للاقتصاديين والمستثمرين وأصحاب المصالح وهذا ما ذكرهم به شعيب قومه - قائلا – واذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم -- لافتا نظرهم الى من قبلهم من القرى – قائلا - وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين
وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ{86}
أثمرت دعوة شعيب في قومه عن أنشاق عقائدي بين مؤيد ومعارض -- فطلب شعيب من المؤمنين برسالته على اتخاذ التدابير التالية منها الصبر–قائلا- وان كانت طائفة منكم أمنت بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين – ولما علم المعارضون ان المؤمنين سيتحملون كافة الإجراءات التعسفية التي سيتعرضون لها قرروا إما تهجيرهم أو العدول عن إيمانهم – قال - الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين امنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا -- رد شعيب عليهم - قائلا - أولو كانا كارهين غير راغبين بالعودة الى دينكم – ولما علم المؤمنين ان المفاسد المالية والاقتصادية التي كانوا يمارسونها قبل إيمانهم مفتريات على الله – قالوا - قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بمعنى إذا عدنا الى ملتكم هذا يعني رجعنا الى الافتراء على الله مرة أخرى وهذا مستحيل بعد ان أنجانا الله منها – وما يكن لنا ان نعود فيها إلا ان يشاء الله إلا إذا أراد الله منا الرجعة الى آلهتكم – وسع ربنا كل شيء علما – على الله توكلنا بان لا نافع ولا ضار إلا الله ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين --
وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ{87} قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ{88} قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{89
بعد إصرار شعيب والمؤمنين معه على المضي في نشر رسالات الله قرر المعارضون تفكيك وحدتهم من خلال تهديد المؤمنين بخسائر مالية واقتصادية عن طريق فرض عقوبات على أنشطتهم التجارية – وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون – خاسرون لا تعني خسارة الآخرة إنما الخسائر المالية والاقتصادية التي ستفرض على أنشطتهم الاقتصادية التي كانت تدر عليهم أموال طالة وهذه إحدى الأساليب التعسفية التي مارسها المعارضون مع الذين امنوا برسالة شعيب – حذر شعيب المؤمنين برسالته من انهيار اقتصادي قادم لا محل سببه وباء سيشل الأنشطة الاقتصادية الأمر الذي جعل المؤمنين الى اتخاذ تدابير عاجلة منها تصريف بضائعهم مع التوقف عن مزاولة أي نشاط الاقتصادي – ونتيجة لإيمانهم بالله وإطاعتهم لرسولهم لم يخسر المؤمنون أموالهم بل ربحوا الله وربحوا حياتهم وصحتهم -- فأخذتهم الرجفة – الرجفة هي انهيار عصبي سببه الانهيار الاقتصادي الذي أصاب المعارضون لرسالة شعيب فأصبحوا في دارهم جاثمين – جاثمين جاثم جثمان جثامين – استقلت جثامينهم الأرض وأصبحوا جاثمين عليها – الانهيار الاقتصادي والمالي الذي رافق انتشار الأوبئة احد أسباب هلاك قوم شعيب فحالة الخوف المتتالي من الموت بالأوبئة تسبب في انهيار عصبي ونفسي مما عطل الأجهزة الدفاعية والمناعية في الجسم -- رغم الإمكانية المادية والاقتصادية التي يتمتع بها قوم شعيب إلا أنها لم تغنهم عن عذاب الله وسخطه – الذين كذبوا شعيب كان لم يغنوا فيها – فالذين هددوا شعيبا والذين امنوا بالخسائر المالية والاقتصادية أصبحوا هم الخاسرون – أي خسروا أموالهم وحياتهم بسبب الوباء والانهيار الاقتصادي - الذين كذبوا شعيب كانوا هم الخاسرين – فتولى عنهم اي تركهم مع بداية تفشي الوباء – قائلا - يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آس أي احزن على قوم كافرين
وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ
مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ{90}
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ{91} الَّذِينَ
كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ
شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ{92} فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا
قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى
عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ{93}
تعليقات
إرسال تعليق