من الاية 59 – 72 الأعراف
قلنا في المقالة السابقة استجابة الأرض للمطر تختلف من بلد الى بلد أخر – فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه -- فالأرض الطيبة تعكس خيراتها على الشعوب فيعمها يسر العيش ورفاهية الحياة – أما البلد الذي لا يستحب للإمطار لا يخرج إلا نكدا ثمارا قليلة ورديئة مما يجعل العيش فيه صعبا وعسيرا - كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون – نصرف الآيات-- تعني نجعلها سهلة الفهم – وهذا المثل يقودنا الى مفهوم آخر إلا وهو دعوات الأنبياء فالشعوب الطيبة سرعنما تستجب لدعوات الرسل أما الشعوب الخبيثة لم يجنى منها غير الاستكبار والجحود
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ{58}
نتابع لنرى مدى استجابة قوم نوح لدعوة رسولهم –ولقد أرسلنا نوحا الى قومه – فقال - يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره – إذن هم لديهم عدد من الآلهة يعبدونها من دون لله – قال الله –وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً – إذن الآلهة هي أسماء ورثوها عن آبائهم ليس لديهم سلطان بما يزعمون - فمن باب إخلاص نوح في الدعوة الى الله ومن باب النصح لقومه - قال - إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم -- طبعا ليس يوم القيامة إنما هو يوم الهلاك الدنيوي – فمن الطبيعي لكل رسول مؤيدين ومعارضين - قال المعارضون من قومه انأ لنراك في ضلال مبين – سبب اتهام نوح بالضلال لأنه جمع الآلهة في اله واحد - وطبعا هذا مخالف للعقيدة التي ورثوها عن أبائهم – قال يا قومي ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين - أبلغكم رسالات ربي وانصح لكم واعلم من الله ما لا تعلمون – قدم نوح النصيحة لقومه محذرا إياهم من عذاب عظيم والسبب لأنه يعلم من الله ما لا يعلمون - أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ - رسالات لا تعني الرسائل المكتوبة إنما لكل رسول مرسل من الله يحمل عدد من الرسائل لقومه -- احد أسباب عدم استجابة المعارضين لدعوة نوح – هي- استغرابهم من الرسالة التي جاء بها - أولا - واختياره كرسول من بين قومه – ثانيا- أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ - الذكر يعني ان الله اختار قوم نوح لخصوصية عنده –فاختار لهم نبي من بينهم لينذرهم ويحذرهم من عذابه وهذا كله رحمة بهم -- أوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون - انتهى الجدال مع المعارضين بالتكذيب -- فكذبوه فانجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا أنهم كانوا قوم عمين
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{59} قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{60} قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{61} أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{62} أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{63} فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ{64}
والى قوم عاد آخاهم هود - قال - يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره –لماذا - لان الإلهة التي يعبدونها من دول لله لن تنجيهم من رجسه وغضبه --أفلا تتقون أي أفلا تبعدوا أنفسكم عن عذابه – قال الملأ الذين كفروا من قومه انأ لنراك في سفاهة - سفاهة تعني غير متزن عقليا وإنا لنظنك من الكاذبين – قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول رب العالمين – أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين – ناصح لقومه خوفا عليهم من العذاب - وأمين على نقل رسالات ربه بكل أمانة - من أسباب تكذيب قوم عاد لنبيهم هود لأنه جاء بذكر من ربه صحح عقائدهم الشركية التي جعلت مع الله آلهة أخرى - واستغرابهم من اختياره رسولا من بين قومه - أو عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم أي ليحذركم من خزي دنيوي وعذاب أخروي – قدم هود لقومه بعض الأدلة الواقعية كدليل مادي على ان ما هم فيه من رفاهية ويسر العيش هو من الله وليس من الآلهة التي يعبدونها - قال - واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح – أي أخلفكم الأرض من بعد قوم نوح – المقصود هنا اختيار الله لقوم هود لخصوصيته عنده كما اختار قوم نوح من قبل - وزادكم في الخلق بسطة – بسطة- تعني رفاهية ونعيم العيش - فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون – آلاء الله تعني كل شيء سخره الله في هذا الكون يتداوله الإنسان لصالح حياته هو من آلاء الله - قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا – إذن هنالك إلهة متعددة تعبد مع الله أقحمت في عقائد الشعوب صنعها الشيطان - لهذا هم اعترضوا على فكرة الإله الواحد التي تتعارض مع مصالحهم الدنيوية ونتيجة لغطرستهم حولوا الرسالة الى تحدي مع الله بدلا من الامتثال لها -- فقالوا - فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين – سؤال يطرح نفسه - ما هي الثقة التي منحت الشركيين والوثنيين على تحدى عذاب الله – الإجابة – على اعتقاد ان ما قرب الى الله من وثن أو نبي أو رجل صالح أو ملك - سيقف حائلا بينهم وبين عذاب الله - فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ - قال - هود وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها انتم وآبائكم ما انزل الله بها من سلطان - إذن الآلهة هي أسماء مورثة عن أبائهم ليس لديهم دليل عقائدي يؤكد مصداقيتها ولكون تلك الأسماء مرتبطة بمصالحهم ورغباتهم الشخصية لذا هم رفضوا الامتثال للإله الواحد - فقبل هود التحدي - فقال - فانتظروا أني معكم من المنتظرين – فانجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً
قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ
تَتَّقُونَ{65} قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ
فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ{66} قَالَ يَا قَوْمِ
لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{67}
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ{68}
أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ
لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ{69} قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا
كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ{70} قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ
أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ
اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ
الْمُنتَظِرِينَ{71} فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا
وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ
مُؤْمِنِينَ{72}
من ينكرون الله يشبهون من لايعترفون بأية سلطة
ردحذفومن يشركون مع الله آلهة يشبهون من تتعدد ولائا تهم لعدة أطراف
ومن يعبدون الله وحده يشبهون من ارتضوا حاكما واحدا ووضعوا فيه ثقتهم
هذا مجرد مثل للتوضيح
ولله المثل الأعلى
اكيد اخ عبدالله -- لقد صنفت المجتمعات وفق ما يعتقدون وهذا ينطبق على العمل السياسي الذي تمارسه الطوائف الدينية السياسية عند التعامل مع مجتمعاتها اما المؤمنون بالله فقد وضعوا ثقتهم بالله وحده مبتعدين عن الدنيا وصراعاتها -- شكرا جزيلا على اضافتك القيمة
حذف