من الاية 155 -165 الإنعام
أشار الله الى كتاب القران لتوجيه أفكار الذين هادوا الى الحقيقة العقائدية التي ستساعدهم على الوصول الى وصايا موسى والتي أصبحت لاحقا جزا من كتاب التوراة - عن طريق ما ينقله التنزيل من أحداث زمن الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية - فالبعد العقائدي من ذلك هو لتخليصهم من براثن الطائفية ووضع أفكارهم المشوهة باتجاه الصحيح -- قال الله --وهذا كتاب أنزلناه مباركا فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون – وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ -والرحمة هنا رحمة دنيوية لتخليصهم من قيود وأغلال الوثنية والشركية ورحمة أخروية للنجاة من عذابه
وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{155}
بعد ان أشار الله الى كتابه أمر الذين هادوا بإتباعه - ولكي يفوت الفرصة على ذرائعهم - قال - ان تقولوا إنما انزل الكتاب يقصدون كتاب القران على طائفتين من قبلنا - هم المشركون العرب وبني إسرائيل - وان كنا عن دراستهم لغافلين - بمعنى غافلين عما انزل عليهم – أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ -- أو تقوا لو انزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم أي أهدى من الطائفتين - أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ -- فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن اظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها –فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا - صدف تعني التصادف بمعنى هم يكفرون بآيات القران لأنهم ينتظرون نزول كتابا عليهم حتى يكونوا أهدى من الطائفتين - سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون – سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ- يصدفون تعني يصادفون الإيمان مع نزول الكتاب – المعنى العام – لا نؤمن حتى يصادفنا نزول كتابا علينا مثلما انزل على الطائفتين من قبلنا -
أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ{156} أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ{157}
لا توجد أفضل من هذه ألصدفه وانتم تزامنون نزول كتاب ربكم – قد لا تحضون بغيرها - ففي الوقت الذي تنتظرون صدفة الإيمان مع نزول الكتاب قد يصادفكم خزيا دنيويا أو عذابا أخرويا فماذا تنتظرون –قال الله - هل ينظرون ليس النظر إنما الانتظار هل ينظرون إلا ان تأتيهم الملائكة اي ملائكة العذاب يوم القيامة - أو يأتي ربك للفصل بين العباد - أو يأتي بعض آيات ربك - آيات العذاب الدنيوي كالزلازل أو الغرق أو الزحف الجليدي أو انهيار ارضي – يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن أمنت من قبل- َهلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ - بمعني مصادفة الإيمان مع وقوع الخزي الدنيوي أو حضور ملائكة العذاب الأخروي لا ينفع نفسا إيمانها ان لم تكن أمنت من قبل أو اكتسبت في أيمانها خيرا- أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً - أي قدمت الخير لنفسها بالطاعة والتقوى قبل بلوغ النهاية المخزية – قل يا محمد للذين هادوا انتظروا أنا منتظرون - قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ{158}
منذ ان تفكك كتاب الإنجيل وانشقاق الحواريون الى شيعا وملل وطوائف في القرن الثالث الميلادي اتخذ الدين طابعا قوميا وطائفيا مما أضاع الكثير من معالم الكتب المقدسة الحقيقية - وبعد نزول القران أعاد الله صياغة كتابي التوراة والإنجيل في كتاب واحد هو القران لتصحيح الكثير من عقائد أهل الكتاب عن طريق نقل الواقع والأحداث والآيات من تلك الفترة الى حاضر الدعوة القرآنية -- قل يا محمد لأهل الكتاب وللذين هادوا - ان الذين فرقوا دينهم - أي انشقوا عن كتاب القران بعد ان صحح عقائدهم وكانوا شيعا وكانوا طوائف متفككة قبل نزوله - لست منهم في شيء -- لست على ملتهم في شيء فأنت غير مسئول عنهم - إنما أمرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون – إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ - وهذا الحال ينطبق على الطوائف الإسلامية التي فرقت دين الله الى شيعا ومذاهب وطائف وتراثيات وهي الان تفرض رفضا قاطعا الامتثال لكتاب القران – بما ان الله سينبأ الذين فرقوا دينهم من أهل الكتاب وكانوا شيعا بما كانوا يفعلون - بين لهم آلية الحساب يوم القيامة -- قائلا -- من جاء بالحسنة فله عشر أمثلها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون – مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ - حملت طوائف أهل الكتاب التي تفككت في القرن الثالث الميلادي شريعة وثنية وشركية منسوبة الى إبراهيم – لذا نجد ان القران دخل معهم في حورا عميق فيما يخص عقيدة إبراهيم-- مثلا-- {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران67 – {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }آل عمران65 -- بنفس الصيغة - قل يا محمد لأهل الكتاب وللذين هادوا - إنني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين -- قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ{159} مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{160} قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{161}
كافة الطوائف الدينية اليهودية والمسيحية وحتى الإسلامية لا تضع الدين في خانة البعث والنشور إنما وضعته في خانة المصالح الدنيوية والسلطوية والطائفية - فتلك التحولات العقائدية أدخلتهم في شرك مع الله لأنهم اتخذوا المراجع والعلماء أربابا من دونه -- فالدين هو يوم القيامة ومن لم يعمل ليوم القيامة فلا دين له – فتلك الطوائف ما عادت تكرس الدين للآخرة - إنما كرسته للمظاهر الدنيوية - ولكي يبعد الله الدين عن المصالح الدنيوية ووضعه في خانة الآخرة -- قل يا محمد للذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا -- ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين – قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ - قل يا محمد للذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا الذين اتخذوا مراجعهم وعلمائهم أربابا من دون الله --أغير الله ابغي ربا وهو رب كل شيء – قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ - قل يا محمد للذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا الذين اتخذوا أنبيائهم ومراجعهم شفعاء لهم يوم القيامة -- ولا تكسب كل نفس إلا عليها -- فلا شفيع ولا ولي يحمل عنهم أوزارهم - ولا تزر وازرة وزر أخرى - أي لا تحمل نفس وزر غيرها -- ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون - وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163} قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{164} وهو الذي جعلكم خلائف الأرض أي تخلفون الأرض جيل بعد جيل ورفع بعضكم فوق بعض درجات - فالشعوب التي شُرًّفت برسالة ربها لها درجات رفيعة عنده - ولكن يبقى الإيمان والتقوى هما المعيار الحقيقي عند الله وعليهما يتوقف مصير كل إنسان يوم القيامة -- ليبلوكم فيما آتاكم ليختبركم في مدى استجابة تلك الشعوب لرسالته - ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ
خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ
فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ
رَّحِيمٌ{165}
تعليقات
إرسال تعليق