من الاية 118 – 127 الإنعام
حرم الفكر الوثني الشركي لأهل مكة الكثير من طيبات الإنعام منها الوصيلة والحام والسائبة والبحيرة وصنوف أخرى من الضان والماعز والجمال – افتراءا على الله - ولإبطال تلك الافتراءات احل الله ما كان محرم – ثم حرم ما كان محل تحت اسمه كالميتة بأنواعها والدم ولحكم الخنزير– بعد ان احل الله الطيبات وحرم الخبائث بقي بعض المؤمنين متمسكين بتشريعات الجاهلية ولم يلتزموا بما أحله الله لهم – فأشار الله إليهم على ان إيمانهم لم يكن بالمستوى المطلوب لأنهم لازالوا متمسكين بأباطيل الجاهلية - فقال - فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم بآياته مؤمنين –ذكر اسم الله عليه تعني جاء ذكره في كتاب القران – فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ - معاتبا إياهم - قائلا - وما لكم لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه أي ما اقره الله في كتابه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه - فمن الأمور المحرمة التي أجيزت للمضطر أكل الميتة فقط وفي حالة الجوع – وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ - معتبرا الذين لم يتمسكوا بحدود ما أحله الله هم غير مؤمنين - أولا – وثانيا - يتبعون أهوائهم – وثالثا - معتدين على حرمات الله – فقال - وان كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين - وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ
فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ{118} وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ{119}
قلنا ان بعض المؤمنين لم يلتزم بحدود التحريم فبقوا يمارسون أباطيل الجاهلية سرا وعلانية - ولكي يعيد الله المعتدين على حرماته الى جادة الصواب - قال -وذروا ظاهر ألاثم- ظاهر ألاثم يعني ما يمارس علانية -وباطنه ما يمارس سرا -- ان الذين يكسبون ألاثم سيجزون بما كانوا يقترفون – وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ - يقترفون - يكتسبون منافع شخصية من وراء عدم تمسكهم بما أحله الله -– أكد الله مرة على أخرى على تحريم ما لم يذكر اسمه عليه - قائلا - ولا تأكلوا مما يذكر اسم الله عليه - أي لم يأتي ذكر في كتاب الله مع الطيبات وانه لفسق من فواسق الكفر والجاهلية -- وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ -- وان الشياطين من المشركين ليوحون الى أوليائهم أي أتباعهم بالأفكار المضادة الخبيثة ثم يدفعون بهم ليجادلوكم فان أطعتموهم أنكم لمشركون – وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ - أو من كان ميتا في الجاهلية خاضعا لقيود وأغلال الوثنية فأحييناه خلصناه منها وجعلنا له نورا يمشي به في الناس -- كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها - فهل يستوي المؤمن المتحرر عقليا وعقائديا - مع المشرك الغارق في الظلمات الجاهلية -- كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون – فالشيطان زين للكافرين أعمالهم حتى الفاسدة منها كالاعتداء على ما أحله الله من الطيبات-- أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ{120} وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{121} أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{122}
أكثر طبقات الشعوب تحديا للأديان والعقائد هم الزعماء والرأسماليين والكهنة والسياسيون وأصحاب الحريات الشخصية وكل فئة ترتبط مصالحها مع العقائد الشركية -- أطلق الله عليهم تسمية أكابر المجرمين –فأكابر المجرمين والشياطين لهم دور كبير في زعزعة الإيمان وسببا في عدم التزام بعض المؤمنين بحدود ما أحله الله وتمسكهم بتشريعات الجاهلية --وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها –فالمكر لا يقع على أتباعهم فقط إنما حتى على ضعفاء الإيمان من أهل الكتاب والمؤمنين العرب لزعزعة إيمانهم محاولة منهم لإعادتهم الى دائرة الكفر – وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا - ولكن بالنتيجة سينقلب المكر عليهم -- وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون – وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ - آلية المكر التي اتبعها أكابر المجرمين والشياطين مع شعوبهم هي رفض الآيات العقلانية رفضا قاطعا - مع الإصرار على الدليل المادي كبقية الأنبياء -- فقالوا -- لن نؤمن حتى نوتي مثل ما أوتي رسل الله -- كآيات موسى وعيسى ولكن بالحقيقة هي مجرد ذريعة للاستمرار في خداع الشعوب على ان محمد ليس مرسل من عند ربه ودليلهم على ذلك عجزه عن الإتيان بآية من ربه كبقية الأنبياء - وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ - الله اعلم حيث يجعل رسالته – الله اعلم بالأنبياء والرسل وبخلقه من البشر الذين سيستجيبون لدعواته– اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ - وسيصيب أكابر المجرمين والشياطين والذين حرموا ما أحله الله - صغار عند الله - صغار تعني تصغير وتحقير جراء استكبارهم وعجرفتهم على الله -- وعذاب شديد بما كانوا يمكرون -- سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{123} وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ{124}
كيف نفهم قول الله – الله اعلم حيث يجعل رسالته من خلال مقارنه وضعها بين فئتين فئة اهتدت وهي الفئة التي جعل الله فيها رسالته وأخرى ضلت طريق الحق فبقيت تتخبط في رجس الشيطان ويقصد بهم الذين لم يلتزموا بحدود ما أحله الله – فقال - فمن يريد الله ان يهديه يشرح الله صدره للإسلام - ومن يريد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء - يقول البعض ان المقصود بهذا القول طبقات الجو العليا وانعدام الأوكسجين وقلة الضغط الجوي – الاية لا علاقة لها بالمفاهيم العلمية -- إنما هي مقارنه بين الصدر المنشرح المستجيب لرسالته - والصدر المنغلق الخاضع لرجس الشيطان كالذين لم يلتزموا بحدود ما أحله الله - فالضال يشعر بصعوبة وثقل وتعب في استلهامه الحق فعندما يدعى الى الإيمان كأنه يدعى الى الصعود في السماء لضيق صدره – فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء – فالصعوبة في استلهام الإيمان ناجمة عن الإدمان على رجس الأوثان وهذا ينطبق على الذين لم يلتزموا بحدود ما أحله الله – كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ – فالذين يدعون من دون لله وتأخذوا الملائكة بنات الله والمسيح ابن الله والمسيح هو الله وأكابر المجرمين والشياطين أولياء من دونه ليس لهم وليا يوم القيامة – وما الذين اتبعوا الحق فهم على الصراط المستقيم -- وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون – وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ - لهم دار السلام عند ربهم - دار الأمن والخلود ونعيم الجنة وهو وليهم - فمن كان غير الله وليه - فلا مكان له في دار السلام - وهو وليهم بما كانوا يعملون - لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن
يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ
فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ{125} وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ{126} لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ
وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{127}
تعليقات
إرسال تعليق