من الاية 74 – 90 الإنعام
كثيرا ما نسمع عن الديانة الإبراهيمية ولكن لا نعرف كيف تكون هذا المصطلح – الديانة الإبراهيمية هو مصطلح قديم - وحديثا تتفق عليه الأديان السياسية الثلاثة الإسلامية واليهودية والمسيحية على أنها تلتقي في إبراهيم - مما أتاحت لحكام المسلمين وأذنابهم من رجال الدين الشرعية في مولاة اليهود والمسيحيين والصهاينة – من ابرز مفاهيم تلك الديانة– هي ان إسرائيل هو يعقوب ابن إبراهيم – وان محمد من نسل إسماعيل ابن إبراهيم – وان يوسف ابن يعقوب ابن إبراهيم كان خطيب مريم أم المسيح -- فما عادة عقيدته عقيدة الأحناف إنما عقيدة المؤامرات على الاسلام وبأيادي إسلامية – كانت الديانة الإبراهيمية عند مشركي العرب عبادة الأوثان - ولكي يصحح الله عقائدهم أشار الى قصة إبراهيم في قومه - تعرض إبراهيم في قومه الى محاولة اغتيال أنجاه الله منها تركا إياهم متوجها الى قوم لوط ثم بعدها انتقل الى مكة وفيها بانيا أول بيت لله - فبقيت أصنام قومه راسخة في ذهنه لا يريدها ان تنتقل الى مكة - لذا دعا ربه – قائلا - وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ -- ولكن سرعنما تلاشت تلك العقيدة ليحل محلها الملائكة بنات الله – فقوم إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام كالشمس والقمر وبعض الكواكب التي لها ارتباط بحياة الإنسان - فعندما تحول الى مكة أرسى فيها عقيدة الأحناف الرافضة لعقيدة الأصنام – ولكون تلك العقيدة هي عقيدة دعوية غير كتابية حرفت عبر الزمن -- حرفها الشياطين من الكهنة ورجال الدين في مكة مستبدلين أيها بعقيدة الأوثان الملائكة بنات الله - على اعتقاد ان إبراهيم رفض عبادة الأصنام في مكة كالشمس والقمر كونها عباده كافره -- وان عقيدته الحقيقية هي عبادة الأوثان – اخذ القران تصحيح عقائد مشركي العرب للفصل بين ما هو موروث عن الآباء - وبين حقيقة ما كان يعتقد به ابرأهيم – لذا تطرق التنزيل الى قصة إبراهيم في قومه ليؤكد لمشركي العرب ان إبراهيم لما دعا الى لترك عبادة الأصنام ليس في مكة إنما في قومه – وان قوله وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ مجرد دعاء لأن مكة كانت خالية من السكان في تلك الفترة - ولكي يؤكد الله لمشركي العرب ان إبراهيم رفض عبادة الأصنام في قومه - وليس في مكة - بدا بذكر أبيه آزر -- وإذ قال إبراهيم لأبيه أزر أتتخذ أصناما آلهة أني أراك وقومك في ضلال مبين - وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ – لم يكن إبراهيم مقتنعا بعبادة الأصنام ولكن ينقصه الدليل العقائدي كي يحاجج به قومه -- لذا لفت الله انتباه الى ما يعبد قومه من شمس وقمر وكواكب في ملكوت السماوات والأرض ليكون من الموقنين -- وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{74} وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ{75}
فلما جن عليه الليل أي واراه وستره ظلام ليلا رأى كوكبا - قال -هذا ربي فلما أفل – أفل بمعنى غاب وستتر بعد انتهاء مدته الزمنية -- قال لا أحب الآفلين – بعد ان أفل الكوكب عنه أمسى في حيرة فلما ظهر له القمر بازغا - قال - هذا ربي فلما أفل – قال - لئن لم يهدي ربي لاكونن من القوم الضالين – انتهى الليل ولم يصل إبراهيم الى حقيقة مقنعة -- فقال لئن لم يهدي ربي لاكونن من القوم الضالين -- استمر بالتفكير حتى الصباح فلما رأى الشمس بازغة – قال- هذا ربي هذا اكبر فلما أفل – قال- يا قومي أني بريء مما تشركون – حينئذ علم إبراهيم ان هناك اله قائم على تدبير ملكوت السماوات والأرض- فقال -إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض فطر تعني أسس ملكوت السماوات والأرض وأعطاه الهداية لتنظيم الحياة على الأرض -- حنيفا وما أنا من المشركين
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ{76}فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ{77} فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{78} إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{79}
عقيدة قوم إبراهيم عقيدة ملكوت متعلقة بالكواكب والشمس والقمر لذا ارتبطت برزقهم وحياتهم وزراعتهم وإنعامهم فأقاموا لهن أصناما على الأرض - وقالوا هن آلهة مع الله مسخرات لإدارة ملكوته -- فلما أيقن إبراهيم ان ملكوت السماوات والأرض خاضع لقوة أعظم مما يعتقدون - دخل في جدال مع قومه وحاجه قومه في لله – قال إبراهيم -- احتاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به بمعنى لا أخاف من آلهتكم إلا إذا أراد الله ان يصبني بشئ وسع ربي كل شيئا علما أفلا تتذكرون – قال إبراهيم -- وكيف أخاف ما أشركتم أي من شركائكم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به سلطانا -- ليس لديكم دليل على ما تدعون - فأي الفريقين أحق بالأمن – الأمن جاءت من الأمان لان إبراهيم هدد بوطأة آلهة قومه - فأي الفرقين في مأمن من الخوف انتم المشركون بالله أم أنا - ان كنتم تعلمون -- الذين امنوا بالله ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون – وتلك حجتنا أتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم خبير
وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ{80} وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{81} الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ{82} وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ{83}
وهب الله لإبراهيم إسحاق ويعقوب -- ولد إسحاق في مكة وولد يعقوب في صحراء ما بين فلسطين ومصر كلا هدينا بناءا على هداية أبويهما – وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا - ثم ينتقل التنزيل الى ما قبل إبراهيم ليكشف عن هداية أخرى -- ونوح هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب – وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ -- يمكننا القول ان ذرية نوح هم داوود وسليمان وأيوب – بعد ان ذكر الله هداية ذرية نوح قبل إبراهيم - يذكر لنا ما بعد هداية إسحاق ويعقوب هو يوسف - بما ان يوسف جاء ذكره مع ذرية نوح إذن إبراهيم من ذرية نوح -- التسلسل الزمني لتعاقب ذرية نوح كالتالي – داوود وسليمان وأيوب ثم يأتي بعدهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف طبعا إسماعيل ليس له ذريه –انتهت نبوة ذرية نوح وإبراهيم - بيوسف– بعد نبوة يوسف ظهرت ذرية ممن حملنا مع نوح وهما وموسى وهارون –وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً- ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً -- الى تلك الفترة انتهت ذرية ممن حملنا مع نوح – ثم ظهرت النبوة في آل عمران – وال عمران هم من ذرية يعقوب ابن ابرأهيم - يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً - هم زكريا ويحيى وعيسى واليأس – وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ - أما الأنبياء الذين لم يشمل الله ذراريهم بالنبوة فهم من ذرية ادم -- وهم إدريس وهود وصالحا وشعيب واليسع ويونس ولوطا –باستثناء إسماعيل لكونه من ذرية نبي وليس له ذريه - أدرج مع أنبياء ذرية ادم - وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{84} وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ{85} وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ{86}
جميع الاعتقادات الشركية والوثنية والظنية والملكوتية منسوبة الى أقوال الأنبياء وذراريهم كما قرئنا كيف نسبت مشركي العرب الشرك الى إبراهيم ولكي يقطع الله الطريق على تلك الاعتقادات وضح تاريخيا للمشركين عقائد الأنبياء وذراريهم لإبطال كل ما نسب إليهم - قائلا - ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط المستقيم – وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ - ذلك هدى الله الحقيقي يهدي به من يشاء الهداية من عباده - إذن جميع الاعتقادات الوثنية والشركية التي نسبت الى الأنبياء وذراريهم لا صحة لها -- ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون – ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ - أولئك الذين آتيناهم الكتاب كموسى وعيسى ومحمد والحكم كداوود وسليمان والنبوة بقية الأنبياء - فان يكفروا بها أو يكذبوها فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين- بمعني حملنها لأناس أهل لها لم يكفروا بها أبدا -- أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ -- يا محمد أولئك الذين هداهم الله أي الأنبياء وذراريهم فبهداهم اقتده – قل يا محمد لا أسلكم عليه أجرا ان هو إلا ذكرى للعالمين
وَمِنْ آبَائِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى
صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{87} ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{88}
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن
يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا
بِكَافِرِينَ{89} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل
لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ{90}
تعليقات
إرسال تعليق