من الاية 22 – 36 الإنعام
قرئنا في المقالة السابقة التي كانت بعنوان أوثان الأرض وبنات السماء عقائد مشركي العرب الذين بربهم يعدلون - وعرفنا كيف ربطوا أوثان الأرض بالملائكة بنات السماء -- وكيف جعلوا الله في عزلة كونية زمنية بينه وبين الأرض لإعطاء الأوثان دورا وجوديا ماديا عليها -- مسخرين لهن السماوات والأرض ومما رزقهم الله في شراكة اقتصادية ومصالح دنيوية حتى تشاركوا في كل شيء – فنًّد الله تلك العقيدة دنيويا من بداية سورة الإنعام وحتى الاية 21 منها -- منتقلا الى يوم الحشر ليفصح عن حالهم عند غياب شركائهم -- قائلا
ويوم نحشر المشركين جميعا - ثم نقول للذين أشركوا أين شركائكم -- شركاء جاءت من المشاركة أو الشراكة وهي أشبه بالشراكة الاقتصادية بمعنى ان المشركين شاركوا أوثان الأرض وبنات السماء في طقوسهم ورزقهم ونذورهم وتجارتهم على اعتقاد هن من يرعى مصالحهم وأمور حياتهم -- للشراكة منافع اقتصادية ينتفع منه الزعماء والكهنة وأصحاب رؤوس الأموال - فهم يقدمون لهن نذورهم وقرابينهم وبعض من أرباح تجارتهم - ثوبا وأجرا وأكرما للأوثان على اعتقاد هن من يقربهم الى الله زلفى – أولا – وثانيا - هن من يتوسط لهم عند الله لرعاية مصالحهم – بيًّن الله لمشركي العرب أصحاب عقيدة أوثان الأرض وبنات السماء حالهم عند غياب شركائهم وبطلال مزاعمهم – قائلا - وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ --
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ{22}
غياب الشركاء عن المشركين في يوم الحشر لم يردعهم عن الافتراء على أنفسهم رغم وقوعهم في فتنة المحشر-- ثم لم تكن فتنهم إلا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين – إنكار المشركين لشراكتهم مع الأوثان فيه إشارة من الله لهم على ان ما يعتقدون به لن يكون بصالحهم يوم القيامة -- ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ – وفي أشارة أخرى للمشركين على ان الكذب لن ينفعكم في حالة غياب أوثانكم التي كنتم تفترون بها على الله --انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل أي غاب عنهم ما كانوا يفترون --انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ{23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{24}
انتهينا من مصير الذين بربهم يعدلون أصحاب عقيدة أوثان الأرض وبنات السماء مشركي العرب -- نأتي الى الكفار منهم – مشكلة الكفار ليس مع محمد كنبي إنما وجود الله ومع آيات البعث والنشور -- ومنهم من يستمع إليك أي يستمع الى الآيات التي تلوها عليهم فيما يخص البعث والنشور - وجعلنا على قلوبهم أكنه جاءت من كنًّان أكنه مكنون لؤلؤ مكنون محاط بغلاف يقيه من الكسر- أكنه أي أغلفه تمنعهم من ان يفقهوه والسبب في آذانهم وقرا – وقر هي المادة الصفراء التي تسد القناة السمعية أو ثقب في طبلة الأذن ما يجعل الصوت مشوش- فحوى الاية -- الكلام يدخل من هذه الإذن ويخرج من الأخرى لا يمر لا على القلب ولا على العقل -- وان يروا كل أية لا يؤمنون بها - بمعنى انغلاق عقلي كامل لا يؤمنون إلا بحياة الدنيا وما نحن بمبعوثين -- حتى إذا جاءوك يجادلونك - بماذا يجادلون محمد بوجود الله والبعث والنشور فعندما تعرض عليهم يأت القران يقول الذين كفروا ان هذا إلا أساطير الأولين – أساطير الأولين تعني خرافات الأولين لان ناكري البعث والنشور يعتبرون أنفسهم في مرحلة متقدمه عقليا لا يؤمنون بخرافات الأديان – وهذا أشبه بالملحدين والعلمانيين والتقدميين الذين يعتبرون الأديان أفكار رجعية من أساطير الأولين -- وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ{25}
قلنا ان مشكلة الكفار ليس مع محمد إنما مع وجود الله وآيات البعث والنشور- وهم ينهون عنه - مفردها ينهى -- ينهون عنه أي يزيلون عن النبي كافة الشكوك التي تنفي نبوته -- ولكن في الجانب الأخر ينأون عنه المفرد نأى بمعنى استكبر وإذا أنعمنا على الإنسان اعرض ونأى بجانبه - ينأون يستكبرون عن إتباع ما جاء به -- وبهذه الازدواجية ان يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون -- وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ – لمنكري البعث والنشور وقفتان الأولى على النار لأنهم أنكروا يوم القيامة - والثانية أمام الله لأنهم أنكروا وجوده– الأولى -- ولو ترى يا محمد اذ وقفوا على النار أي أصبحت وشيكة منهم - قالوا - يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين – وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ -- بل بدا لهم اي انكشف لهم حقيقة ما كانوا يخفونه من قبل إنكارهم للبعث والنشور ولو ردوا لعادوا عما نهو عنه وأنهم لكاذبون -- في هذه إشارة من الله لمنكري البعث والنشور بأنهم سيتمنون العودة الى الدنيا لتصحيح اعتقادهم ولكن هيهات ولو ردوا لعادوا عما نهو عنه وأنهم لكاذبون - بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ – من أسباب جحودهم بآيات لله وإنكارهم للبعث والنشور هو التكالب على مغريات الدنيا فهم لا يؤمنون بوجود الله أصلا فكيف يؤمنون بالبعث والنشور – قالوا- وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{26} وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{27} بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{28} وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ{29}
الوقفة الثانية أمام الله --ولو ترى يا محمد – ترى هي رؤيا تصورية لموقف منكري وجود الله الذين قالوا ان هي حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين – ولو ترى إذا قفوا على ربهم أي أمام ربهم - قال - ليس هذا بالحق - أليس هذا ما أنكرتموه من قبل-- قالوا بلى وربنا – قال- فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون -- وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ --
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ{30}
قد خسر الكفار والمشركين الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة - ساعة الحساب دون إنذار سابق – قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها --وهم يحملون أوزارهم وخطاياهم على ظهورهم إلا ساء ما يزرون ما يحملون -- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ –بيًّن الله لمنكري وجوده والبعث والنشور من المشركين والكفار ماهية الحياة الدنيا -- على أنها لعب بالنسبة للمترفين أصحاب رؤوس الموال -- ولهو- بالنسبة للكادحين في أعمالهم طوال النهار-- فهذه ليس دعوه لترك العمل والتقدم العلمي بحجة ان الحياة فانية -- إنما اجعل نصيبا من دنياك لأخرتك -- مع ذلك تبقى الدار الآخرة هي خير للذين يتقون أي يبعدون أنفسهم عن العذاب -- أفلا تعقلون أيها الكفار والمشركون -- وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ{31} وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{32}
قلنا ان مشكلة الكفار ليس مع محمد إنما مع وجود الله والبعث والنشور - قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون - ان هي إلا حيتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين - فأنهم لا يكذبونك ولا يشكون بنبوتك لكن الظالمين بآيات البعث والنشور يجحدون -- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ – فلا تستغرب يا محمد ولا تحزن من جحودهم ولقد كذب رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى جاءهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبا المرسلين -- وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ{33} وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ{34}
شعر النبي بالحزن والأسى على جحود منكري وجود الله والبعث والنشور واخذ يفكر بتدابير أخرى لإقناعهم –رد الله عليه -- قائلا -- وان كبر عليك إعراضهم أي عظم عليك إقناعهم --وأصابك الحزن لأنك لم تتمكن من هدايتهم - قدم لهم أنت ما استطعت كنفق في الأرض أو سلما في السماء فأتيهم بأية – فلا تتعب نفسك بإعراضهم - لو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين – إنما يستحب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون
وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ
إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ
سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ
عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ{35} إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ
يُرْجَعُونَ{36}
تعليقات
إرسال تعليق