من الاية 21 – 50 المائدة
نلخص المراحل التاريخية التي مر بها بني إسرائيل لنتعرف على التحولات
العقائدية عبر الزمن ودور الدين السياسية والنزعة القومية في تغير عقائد المؤمنين
وتحويلها الى طوائف -- فالتحول لا يأتي من نفس الدين أنما نتيجة لتدخلات خارجية في
فترة ضعف المؤمنين خاصة بعد ابتعاد الدعوة عن فترة نزولها -- حافظ المؤمنون من بني
إسرائيل على عقيدتهم الصحيحة طوال فترة
بقائهم في مصر تحت حكم فرعون – ولكن بعد الشتات الأول الى الصحراء انقسموا الى اثني
عشر سبطا – وبعد ميثاق الطور الذي أخذه الله على نقباء الأسباط برزت طائفة مؤمنة
بالله أطلقت على نفسها الذين هادوا مصدرها
من قولهم هدنا إليك أي رجعنا يا رب إليك – فانشق الأسباط الى قسمين – القسم الأول –
الذين هادوا متبعين المنهاج العقائدي- أما
القسم الثاني من الأسباط فاتبعوا المنهاج
القومي -- بعد موسى وتحديدا في فترة الملك داوود تحول الأسباط القوميون الى مماليك
تحت راية أسباط بني إسرائيل استمروا بنفس التسمية حتى الدعوة الإنجيلية – أما
الذين هادوا فبقوا محافظينعلى المنهاج العقائدي الى نفس الفترة – نأتي الى موقف
الذين هادوا والأسباط القوميون من الدعوة الإنجيلية – تنقسم الدعوة الإنجيلية الى
قسمين –الأولى -- فترة نزول التوراة -- فالتوراة نزلت قبل الإنجيل جملة واحده على يحيى
ابن زكريا لدعوة الذين هادوا أثمرت عن إيمان
طائفة مؤمنة أطلقت على نفسها النبيون والربانيون والأحبار – ثم نزل الإنجيل
على عيسى ابن مريم لدعوة الأسباط القوميون من بني إسرائيل أثمر عن طائفة مؤمنه
أطلقت على أنفسها أنصار عيسى ابن مريم –
امن يحيى ابن زكريا بإنجيل عيسى -- وامن عيسى بتوراة يحيى – وبعد التصديق والمصادقة
بينهما دمج عيسى ابن مريم التوراة
والإنجيل في كتاب واحد -- الإنجيل -
فانبثق عن ذلك الاندماج طائفة مؤمنة بالله أطلقت على نفسها الحواريون --وسوف تتضح
لنا الصورة أكثر مع تكملة الموضوع - ففي القرن الثالث الميلادي ونتيجة للصراعات
السياسية على كتاب الإنجيل انشق الحواريون أهل الإنجيل الى قسمين – القسم الأول
من الحواريين رجعوا الى فترة نزول التوراة مطلقين على أنفسهم اسم الذين هادوا -- والقسم
الثاني- من الحواريين رجعوا الى لفترة نزول الإنجيل مطلقين على أنفسهم نصارى
نسبة الى أنصار عيسى - فرافق ذلك الانقسام انشقاق في كتاب الإنجيل تحت ما يسمى --العهد الجديد والعهد القديم –
وصلت الطوائف المنشقة عن الدعوة الإنجيلية الى صدر الإسلام بنفس المسميات
نصارى بني إسرائيل الذين هادوا - ففي المقالة السابقة التي كانت بعنوان مكافحة الإرهاب
والسرقات عرفنا كيف حارب الإسلام العصابات
القومية لبني إسرائيل في شبه جزيرة العرب – ولقد وفصلنا تلك الفترة تفصيلا كاملا –
في هدا المقال نتطرق الى الحوار العقائدي بين القران وبين التوراتيون الذين هادوا
-- امن بعض من الذين هادوا بالله ورسوله لما ذكر القران لمحة تاريخية عن دعوة موسى
في بني إسرائيل وخاصة بعد التطرق الى ميثاق نقباء الأسباط الذي يخص عقيدتهم --غير
ان إيمانهم لم يكن بالمستوى المطلوب لأنهم وقعوا تحت تأثير جماعة منهم زعزعوا إيمانهم
فتاهوا بين الحقيقة والتراث -- مما جعلهم متقلبين بين التصديق والتكذيب-- مما احزن
ذلك النبي فكشف الله له أسباب تقلب هؤلاء –قائلا-
يا محمد لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا أمنا بأفواههم ولم تؤمن
قلوبهم من الذين هادوا لأنهم سماعون للكذب
سماعون لقوم آخرين -- يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ
وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ -- أي وقعوا تحت تأثير أجهات أخرى – تلك الجهات لم
تحضر للنقاش إمامك -- لم يأتوك -- لَمْ
يَأْتُوكَ --مهمتهم تلقين وغسل أدمغة تلك
المجاميع بالأكاذيب فتقلب عقيدتهم ثم يأتون إليك للجدال – ما هي الآلية التي
اتبعها المضللين مع المؤمنين من الذين هادوا -- تحريف الكلم من بعد مواضعه -- يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ -- يعتقد
البعض ان تحريف الكلم عن مواضعه هو تغير في كلمات آيات الكتب وهذا غير صحيح لان الكلم
يختلف عن الكلمة - فالكلم مذكر والكلمة مؤنث -- فالكلم يعني الكلام -- قال
الله -- وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً --أما بخصوص مواضعه فلا تعني مكان
الكلمة في الاية -- لان مواضعه جاءت من الموضوعية أو وحدة الموضوع – فالكلم يعني
الكلام الشائع بين الناس الذي استلهم من
مواضيع الكتاب -- الجهة السياسية التي لم
تحضر للنقاش أمام النبي هي من تقوم بعسل أدمغة المؤمنين من الذين هادوا عن طريق
مواضيع الكلام المقتبس من التراث التوراتي -- ويقولون لهم ان أويتم هذا فخذه وان لم تؤتوه
فاحذروا-- يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ
فَاحْذَرُواْ -- يا محمد من يريد لله فتنته
فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي
ولهم في الآخرة عذاب اليم ---وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن
تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن
يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ
عَذَابٌ عَظِيمٌ
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي
الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن
قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ
لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ
وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي
الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{41}
ما هي الأسباب السياسية التي دفعت بالمؤمنين من الذين هادوا الى استماع كذب
مضلين منهم -- هو أكلهم للسحت أي الحرام الذي أحلوه لهم بفتوى فاسدة كالربا وكل أموال
الناس بالباطل -- سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ -- كيف يؤمن الذين
هادوا السماعون للكذب وقلوبهم تصغي لتحريف
الكلم عن مواضعه الذي احل لهم السحت – يا محمد فان جاءوك لتحكم بينهم فحكم بالحق
وبالقسط وان أعرضت عنهم فلن يضروك شيئا ان
الله يحب المقسطين -- سَمَّاعُونَ
لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ
أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ
حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ
وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{42}
قلنا سابقا ان المؤمنين من أهل الكتاب الذين امنوا بالدعوة القرآنية جمعوا
الآيات التي تخص عقائدهم – فالقوميون من بني إسرائيل والذين هادوا اهتموا بالآيات
التي أنزلت على موسى -- والنصارى اهتموا بالآيات التي أنزلت على عيسى – كيف يحكمونك
المؤمنون من الذين هادوا السماعون للكذب أكلوا السحت وقد جمعوا الآيات التوراتية
من القران وفيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بمؤمنين -- وَكَيْفَ
يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ
يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ – وضع القران
مقارنه تاريخية بين المؤمنين من الذين هادوا في فترة نزول التوراة الأولى – وبين الذين
هادو في عصر الإسلام -- ليكشف لهم الفرق بينهم وبين إسلافهم من الناحية العقائدية –
لذا نقل التنزيل الحدث من الفترة الأولى لنزول التوراة-- الى فترة نزول القران –
قائلا -- أنا أنزلنا التوراة يقصد التوراة الأولى فيها هدى ونور يحكم بها المؤمنون
من إسلافهم الذين امنوا بتوراة يحيى والذين
اسلموا للذين هادوا والأحبار والربانيون بما استخفوا من كتاب لله وكانوا عليه
شهداء – إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا
النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ
وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ
شُهَدَاء -- ثم ينتقل التنزيل الى الذين هادوا في صدر الإسلام -- ليقول لهم ان أسلافكم
النبيون والأحبار والربانيون لما امنوا بالتوراة لم يخشوا أحدا إلا الله -- فلا تخشوا أتباعكم
ان أمنتم بالله - واخشون - ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما انزل الله أي التوراة
التي جاءت في القران فأولئك هم الكافرون -- فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ
وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ
اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ
وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ
ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ{43} إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ
فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ
لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن
كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ
وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم
بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{44}
ولكي يؤكد التنزيل للذين هادوا في صدر الإسلام ان ما ينقله القران هو فعلا
من التوراة الأولى ذكر لهم آية حد القصاص التوراتية -- قائلا -- وكتبا عليهم أي على أسلافهم النبيون
والربانيون والأحبار ان النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والإذن بالإذن
والسن بالسن والجروح قصاص– تاركا الله الخيار للمقتص حق الإعفاء أو القصاص فمن أعفى
فذلك بمثابة كفارة له من الذنوب ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون -- وَكَتَبْنَا
عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ
بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ
فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ
اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ – تعرض النص التوراتي حد القصاص الى تلاعب
ضمني على لسان يسوع المسيح -- قائلا --سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ
وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ،
بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا.
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ
أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ – هذا النص
مقتبس من الكتب المقدس المخزون عندي على سطح المكتب
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا
أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ
وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن
تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ
فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{45}
نشير الى فتره تاريخيه مهمة جدا يجهلها أصحاب الأديان عموما – وهي الكيفية
التي نزلت فيها التوراة والإنجيل -- نزلت التوراة قبل الإنجيل بفترة ليست ببعيدة وضحها التزامن بين ولادة يحيى ابن زكريا وولادة
عيسى ابن مريم -- غير ان الفترة الفاصلة بينهما هي ان يحيى كتب التوراة في فترة
صباه {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً
}مريم 12- أما الإنجيل نزل على عيسى ابن مريم في فترة شيخوخته – ما يؤكد لنا على
نزول التوراة قبل الإنجيل هو قول الله على النبيون والربانيون والأحبار مؤمنو
الذين هادوا سابقا -- وقفينا على أثارهم بعيسى ابن مريم - فأول من صدق بتوراة يحيى هو عيسى ابن مريم
فكان يتلوه على القوميين من بني إسرائيل فلما بلغ مرحلة الكهولة آتاه الله الإنجيل
– وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ( أي توراة يحيى ) وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ – هذا يعني
ان التوراة قبل الإنجيل – فدون عيسى ابن مريم فيه آيات ولادة مريم وولادته وكلامه
في المهد صبيا والآيات التي جاء بها لبني إسرائيل كإحياء الموتى وغيرها من الآيات
-- أثمرت الدعوة الإنجيلية عن بروز طائفة مؤمنه من أسباط بني إسرائيل أطلقت على نفسها أنصار عيسى -- ولكي يثبت عيسى ابن مريم للذين هادوا وللأسباط
من بني إسرائيل في تلك الفترة انه مصدقا لتوراة يحيى التي بين يده -- ادمج التوراة
والإنجيل في كتاب واحد سماه الإنجيل – أثمر ذلك الاندماج عن بزوغ طائفة جديدة مؤمنه
مكونه من الربانيون والأحبار وأنصار عيسى أطلقوا على نفسهم الحواريون – فأصبح
الإنجيل مصدقا للتوراة التي بين يدي عيسى --وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ --
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم
بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ{46}
أطلق الله تسمية أهل الإنجيل على الطوائف التي كانت منضوية تحته في بداية
الدعوة والتي انشقت عنه فما بعد الى نصارى ويهود والذين هادوا -- بما ان أية
القصاص التوراتية النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ
بِالسِّنِّ أصبحت إحدى آيات الإنجيل المدمج
مع التوراة --من المحتمل ان تكون هي السبب في الانشقاق الذي حصل على كتاب الإنجيل في
القران الثالث الميلادي– ما يؤكد لنا على ذلك هو قول يسوع الذي غير مفهوم القصاص -- سَمِعْتُمْ
أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ
لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ
فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ
ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا
فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ – فالعهد الجديد لم يذكر أي آية توراتية بالنص الكامل
غير آية القصاص فمن المحتمل تكون هي سبب في الانشقاق --بعد اللمحة التاريخية العقائدية التي وضحها القران للطوائف المنشقة عن كتاب
الإنجيل والتبيان المفصل لتاريخ إسلافهم العقائدي -- أمر الله أهل الإنجيل والطوائف
المنشقة عنه الأمثال لحكم القصاص الذي بات ذكره واضحا في توراة يحيى وإنجيل عيسى وقران محمد – فقال -- وَلْيَحْكُمْ
أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ
اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ
يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{47}
كل ما ذكرناه أعلاه هو لكي يعطي الله
للنبي فكره تاريخية عقائدية مفصله عن فترة نزول التوراة والإنجيل ليتمكن من
الرد أو الحكم بين أهل الكتاب في مشاكل القصاص أو الاختلافات العقائدية الأخرى –قائلا--
وأنزلنا إليك الكتاب أي القران بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب أي كتاب
الإنجيل المدمج مع التوراة سابقا والمنزل حاليا
في القران --ومهيمنا عليه – أصبحت لديك هيمنة عقائدية وتاريخية في مجمل الأحداث - فاحكم
بين أهل الكتاب بما انزل الله فيما يخص القصاص ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق
ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا – أي اختلاف
في مجال الدعوة الدينية ويقصد آلية الدعوات المختلفة من شعب الى شعب أخر في البليغ
وفي نوعية البينات للأنبياء -- فمثلا -- التوراة نزلت جملة واحدة بينما الإنجيل
نزل حسب الحدث -- لكن المضمون واحد هو بان لا الله إلا الله -- ولو شاء الله
لجعلكم امة واحده أي وحدكم في منهاج موحد في الرسالة – ولكن ليبلوكم فيما آتاكم بمعنى اختلاف الدعوات فيما بينها نوع من الابتلاء
العقائدي-- فمثلا --بعض اليسوعيين يقولوا لماذا لم يعطي الله قدرة إحياء الموتى
لمحمد هنا اختلاف في آلية الدعوة قد تكون
سببا في إعراض اليسوعيين عن الإيمان بها
-- فلا تجعلوها سببا للكفر -- فاستبقوا الخيرات التي توصلكم الله أينما وجدت سواء ان كان في القران أو التوراة أو
الإنجيل الى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً
عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ
عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً
وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي
مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً
فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{48}
يا محمد بعد الهيمنة العقائدية التاريخية المفصلة التي ذكرنها لك بخصوص أهل
الإنجيل - احكم بينهم بما انزل الله بخصوص آية القصاص ولا تتبع أهواء التراثيون
واحذر ان يفتنوك عن بعض ما انزل إليك – فان تولوا عن حكم الله فاعلم يا محمد إنما يريد الله ان يصيبهم ببعض
ذنوبهم وان كثيرا من الناس لفاسقون
وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ
أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ
إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم
بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ{49}
نقل أهل الإنجيل الى صدر الإسلام أحكاما جاهلية منسوبة الى كتاب الإنجيل في
التعامل مع حد القصاص منها إجرامية ومنها انتقامية ومنها تعسفية فانزلوا أقصى
العقوبات المالية والجزائية بمرتكبي الجروح -- فما عاد السن بالسن ولا العين
بالعين إنما تعدى ذلك الى القتل والغرامات المثقلة والجلاء لاغين العفو والتسامح والإعفاء
فجميع تلك الأحكام والمغالطات نسبت الى كتاب الإنجيل – يسال الله المصرون على
أحكام الجاهلية الرافضون لحكم آية القصاص –قائلا –افحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن
من الله حكما لقوم يوقنون –أي أيقنوا حكم القصاص على حقيقته بعد انزله الله في
التوراة والإنجيل والقران
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ
يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ{50}
تعليقات
إرسال تعليق