من الاية 88 – 93 النساء
عاتبت الاية 75 من سورة النساء
المتباطئون عن القتال --قائلة -- وما لكم
لا تقاتلون في سبيل لله ولكم من أنفسكم رجالا ونساء وولدانا مستضعفون لم يستطيعوا الهجرة الى المدينة -- يعانون
الظلم والاضطهاد في مكة -- والذين
يستغيثون الله ويقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك
واليا واجعل لنا من لدنك نصيرا -- وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا
وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً –
هذا فيما يخص الضعفاء في مكة --
أما الذين لديهم الإمكانية المادية على الهجرة ولم يهاجروا فلهم بحث أخر-- ونتيجة لكثرة المتباطئين عن النفير في المدينة طلب
المؤمنون من النبي استدعاء المؤمنين في مكة الى الهجرة لتشكيل منهم قوى سانده
للجيش—فلما استدعاهم – البعض منهم استجاب
والبعض الأخر رفض – فأمسى الذين في مكة محل جدل كبير بين المؤمنين منهم من أيد
بقائهم -- ومنهم ومن عارضه لتوفر فيهم
شروط الهجرة الى المدينة – رد الله عليهم-- قائلا – فما لكم منقسمين في المنافقين
الذين بقوا في مكة الى فئتين -- إذن حدد الله هويتهم العقائدية واصفا أيهم
بالمنافقين -- والله اركسهم أي أبقاهم بما كسبوا أي بما كسبوا من منافع مادية مرتبطة
مع كفار قريش والتي رغبت بقائهم على الكفر– أتريدون ان تهدوا من أضل الله ومن يضلل
الله فلن تجد له سبيلا طريقا للهداية -- فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ
فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ
أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً –
كشف الله للنبي وللمؤمنين عن
ردة الذين بقوا في مكة عن الإسلام --قائلا -- وودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون
سواء سواسية في الكفر -- وَدُّواْ لَوْ
تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء – فمثلما وضع القران إستراتيجية أمنية
على المتباطئين عن النفير في المدينة -- يضع أيضا أخرى على المرتدين في مكة – فالوضع
الأمني العام متوتر بسبب تهديدات المشركين للمدينة -- فمن الممكن ان تستغل قريش المرتدين
عن الإسلام في اختراق الجيش أو القطعات أو اختراق المدينة على أساس ان هؤلاء مهاجرون
الى مدينة جاءوا تلبية لنداء النبي – لهذا وضع القران شروط للمؤمنين ليضغطوا بها
على المرتدين لإرغامهم على الهجرة فمن تلك الشروط --
1- على
المؤمنين الضعفاء في مكة والمؤمنين في المدينة عدم مولاة المرتدين حتى يتركوا دار
الكفر في مكة ويهاجروا الى المدينة - فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء
حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
2- ففي
حالة رفضهم للهجرة --فَإِن تَوَلَّوْاْ --تتبع معهم الإجراءات الأمنية التالية –
الخطف والقتل أينما وجدوا ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا -- فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً –
يستثنى المرتدون من القتل في
حالة التزامهم بالتعليمات الأمنية التالية --
أ-
يستثنى المرتدون من القتل في حالة وصولهم الى قوم
بينكم وبنهم ميثاق -- أي اتفاق امني على عدم الاعتداء بموجب اتفاق سلام – لان في
قتلهم مع وجود معاهده سلام -- هو خرق للاتفاقيات الأمنية بين المؤمنين وحلفائهم في
المنطقة -- إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم
مِّيثَاقٌ
ب- يستثنى المرتدون
من القتل في حالة اتخاذهم موقفا حياديا من القتال بشكل عام -- بان لا يقاتلوا
المؤمنين ولا يقاتلوا قومهم من الكفار -- أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ
أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ –فتلك الآلية الأمنية قيدت
المرتدين من المشاركة بأي معركة ضد المؤمنين -- لو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم
– وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ -- فمن شروط الموقف الحيادي الذي فرضه القران
على المرتدين - أولا – الاعتزال أي ان لا
يبقوا في مكة ولا في قومهم ولا في المدينة – فان طبقوا شروط الاعتزال أصبحوا غير
قادرين على قتالكم-- فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ -- ثانيا –ان
يلقوا إليكم السلم أي السلام بموجب
اتفاقية أمنية تنص على عدم قتالكم ففي
حالة موافقتهم على الشرطين السابقين فما
جعل الله لكم عليهم سبيلا --وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ
اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً -- إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن
يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ
عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ
سَبِيلاً
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ
وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ
اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً{88} وَدُّواْ لَوْ
تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ
أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ
فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ
وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً{89} إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ
أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ
فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ
فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً{90}
ستجدون آخرين يحاول الالتفاف
على الشروط الأمنية وعلى الموقف الحيادي من خلال اللعب على أوتار المؤمنين وأوتار
قومهم من الكفار – وكلما ردوا الى الكفر والفتنة اركسوا فيها رغبة منهم في البقاء على الكفر – فما مطلوب من أولئك
الالتزام بالتعليمات الأمنية التالية –
1- الاعتزال
-- فعلى تلك المجاميع اعتزال قومهم واعتزال المؤمنين الى جهة محايدة لها اتفاق
امني مع المؤمنين -- فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ
2- ان
يلقوا إليكم السلم هو اتفاق أو معاهدة تتعهد تلك المجامع بعدم قتال المؤمنين وعدم
مولاة الكفار من قومهم وعدم مساندة أقوام أخرى -- وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ
السَّلَمَ
3- وان يكفوا
أيديهم – عن قتال المؤمنين وعدم التحريض على قتالهم وعدم تقديم المشورة للعدو أو التجسس
لصالحه -- وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ
4- في
حالة عدم امتثال تلك المجاميع للشروط الأمنية أعلاه يأخذون ويخطفون ويقتلون أولئك جعل الله لكم
عليهم سبيلا -- فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ
وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِينا
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن
يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ
أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ
السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً
مُّبِيناً{91}
بعد ان بين الله حدود التعامل الأمني
مع المرتدين والمنافقين من أهل مكة ممن رفض الهجرة الى المدنية -- يضع الله آلية التعامل مع الأخطاء العسكرية فيما يخص
القتل الغير متعمد للمؤمن – فلا يحل لمؤمن قتل مؤمنا إلا خطأ --ومن قتل مؤمن خطأ يتحمل
التبعات النفسية والمالية حسب ما ورد في الاية – الهدف من ذلك التشريع هو حماية
المؤمنين من سطوة الجيش بعد الإعلان عن قتل المرتدين وخاصة الذين لم يلتزموا بشروط
الأمنية – فالعقوبات التي سنها القران على القتل الخطأ تضع تريثا كبيرا قبل الحكم على قتل المرتد --
فمن الشروط التي سنها القران على القتل الخطأ هي -
1- تحرير
رقبة مؤمنة أي تخليص عبدا أو امة من التسلط
والعبودية بدفع أمولا لمالكهما لقاء حريتهما -- فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ
2- مع تحرير الرقبة تقديم دية مسلمة الى أهله
القتيل – والدية لا تفرض فرضا كغرامة على
قاتل الخطأ كما هو متداول اليوم إنما هو تبرع يتقدم به قاتل الخطأ رغبة منه
عن توبة الى الله -- وذلك حسب الإمكانية المادية -- إلا ان يصدوا- أي إلا ان يعفوا
ذوي القتيل عن الدية -- وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن
يَصَّدَّقُواْ
3- فا
كان القتيل مؤمنا ومن قوم عدو للمؤمنين فتحرير رقبة فقط -- فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ
وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ
4- فان
كان القتيل مؤمنا ولكن من قوم بينكم وبينهم اتفاقية أو ميثاق امني بعدم الاعتداء –
أولا –فدية مسلمة الى أهله --ثانيا -- تحرير
رقبة – وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً -- فان كان القاتل ليس لديه الإمكانية المادية لتنفيذ
الشرطين الأوليين الدية والفدية وتحرير رقبة -- عليه صيام شهرين متتابعين – فَمَن لَّمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ -- تلك الشروط هي إجراءات للتوبة الى الله
وكان الله عليما حكيما -- تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً
إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ
وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن
قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن
كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً
حَكِيماً{92}
ولكي لا يستغل تشريع قتل
المرتدين في الانتقام ممن كان له دور في قمع واضطهاد المؤمنين سابقا في مكة بعد
دخوله في الإسلام تحت ذريعة الارتداد-- فمن قتل مؤمنا متعمدا وله علم بدخول ذلك الشخص
في الإسلام فجزاءه جهنم خالدا فيها غضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا أليما--- وَمَن
يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ
اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً
وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً{93}
تعليقات
إرسال تعليق